التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أي الناس أحب إليك

          3662- الحديث الرابع: حديث عَمْرو بن العاص ☺: أنَّه ◙ (بَعَثَهُ عَلَى جَيْشٍ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّدَ رِجَالًا).
          هذا الحديث يأتي في المغازي إن شاء الله [خ¦4358]، قال في غير هذه الرِّواية: خدمتُ النَّبيَّ صلعم حتَّى ظننتُ أنِّي أحبُّ النَّاس إليه، فسألتُهُ فذَكَرَه.
          وغزوة ذات السَّلاسِل _بفتح السِّين الأولى_ واقتصرَ صاحبُ «النِّهاية» على ضمِّها، وكانت سنة سبعٍ كما صحَّحَهُ ابن أبي خالدٍ في «تاريخه»، وقال ابن سعدٍ والحاكمُ: سنة ثمانٍ في جمادى الآخرة بعد إسلامه بسنةٍ. وهي مِن قُضَاعة، وكتب عَمْرو إلى رسول الله صلعم يستمدُّهُ فأمدَّهُ بنفرٍ مِن المهاجرين والأنصار منهم أبو بكرٍ وعُمَرُ، وأميرُهم أبو عُبَيدةَ، وذكر ابنُ إسحاقَ أنَّ أمَّ العاصي بن وائلٍ كانت مِن بَلِيٍّ، فبعثَه ◙ إلى العرب يستنفر الإسلام لذلك حتَّى إذا كان بماءٍ بأرض جُذَام يُقالُ لها: السَّلاسل، ولابن التِّين: سُمِّيت ذات السَّلاسل لأن المشركين ارتبطَ بعضُهم إلى بعضٍ مخافة أن يفرُّوا، وعند يُونُسَ عن ابن شِهَابٍ قال: هي مَشارف الشام إلى بَلِيٍّ وسعدِ اللهِ ومَن يليهم مِن قُضَاعةَ وكِلدَةَ وبَلْقِين وضَجْنَان وكُفَّار العرب، ويُقَال لها: بَدر الأخيرة.
          قال ابن سعدٍ: وهي وراء وادي القِرى، بينها وبين المدينة عشرة أيَّامٍ، بلغ رسولُ الله صلعم أنَّ جمعًا قد تجمَّعُوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلعم، فعقدَ له لواء أبيض وجعل معه رايةً سوداءَ، وبعثه في ثلاث مئةٍ مِن سَرَاةِ المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مرَّ به من بَلِيٍّ وعُذْرةَ وبَلْقِين، فلمَّا قَرُب مِن القوم بلغَهُ جمعهم، فأرسل رافع بن مَكِيثٍ الجُهَنُّي إلى رسول الله صلعم يستَمِدُّهُ فبعث أبا عُبَيْدَةَ في مائتين.
          وفي بعض الحديث أنَّ عَمْرًا نهى النَّاسَ ليلةً أن يُوقدوا النَّار، فأرسل أبو بكرٍ إليه عُمَرَ، فقال: سَلْه لِمَ يمنع النَّاس أن يوقدوا النَّار وهم في شِدَّةِ البرد؟ وسَلْهُ متى يرتحلُ؟ / فذكر ذلك له عمر، فقال: ما كان أخرجني إلَّا الاصطلاءُ، وإن سمعتَ رُغَاءَ الإبل فشأنك، فأخبر عُمرُ أَبَا بَكْرٍ فغضِبَ أبو بكرٍ وذهب إليه يسير، فلمَّا سمعه عَمْرٌو توارى منه، فلمَّا أصبح قال له: يا أَبَا بَكْرٍ ألستُ أميرَك؟ قال: أرسلتُ إليك لتخبرَه فلم تفعل. قال: أمَّا منعُ النَّاسِ النَّارَ فلئلَّا يكون علينا مِن المشركين عينٌ فيعلموا كيف نحن، وخشيتُ إن ذكرتُ متى الرحيل أن يسبق الخبر، ولَمَّا صالحَهم عظيمُ مِصْرَ أوَّلَ مرَّةِ شرطَ عليهم أن يطعم عسكره ثلاثةَ أيَّامٍ، فأمر أصحابَه أن يلتحفوا بالأكسية على القمُص وأن يملؤوا أكفَّهُم بالثَّرِيد وينثروه نثرًا، وكانوا وقفوا إليهم في غير ذلك الزيِّ، وقال لهم: إذا سألوكم فقولوا: إنَّا نحن أهل الحرب، وأولئك أهل الرأي، وهم لا يستحسنون طعامكم، فلمَّا بلغوا سأل عَمْرٌو الطاغيةَ: ما الذي أنفق عليهم في ذلك اليوم؟ فذكر مالًا وزاد في القول ليتجمَّلَ في ذلك ويستكثرَ، فقال له: اجعل اليومين الباقيين مالًا فإنَّ أصحابي لم يرضُوا طعامَك.