التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أما صاحبكم فقد غامر

          3661- الحديث الثالث: حديث أبي الدَّرداءِ ☺: (كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلعم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ ◙: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ...) الحديث، أخرجه مِن حديث زيدِ بن وَاقِدٍ، عن بُسْر بن عُبَيْدِ الله، عن عائِذِ اللهِ أبي إدريسٍ الخُوَلانيِّ عنه، وليس له عنده غيره، وهو حديثٌ عزيزٌ.
          و(غَامَرَ) بغينٍ معجمةٍ وبعد الميم راءٌ، أي خاصَمَ غيرَه ودخل في غَمْرَةِ الخصومة، وهي معظمُها، كَغَمْر الماء وغَمْر الحرب ونحوهما، والغَامِر الذي يرمي بنفسه في الأمور والحروب، وقيل: هو من الغِمر وهو الحقد، أي حاقدٌ غيره، وقيل: مِن المعاجلة أي: تنازعَ، وقد غاضَبَ أي فاعلَ من الغمر فرجعَ إلى الذي قبله.
          وقوله: (فَجَعَلَ وَجْهُهُ يَتَمَعَّرُ) أي يتغيَّرُ مِن الضَّجر، وأصلُه مِن قولهم: أَمْعَرَ المكانُ إذا أجدب، يريد أنَّه قد ذهب نَضَارتُهُ ورونقُهُ فصار كالمكان الأمعرِ.
          وفيه: أنَّ الرجلَ لا يُقاوِم مَن هو أفضل منه، ومَدحُ المرء في وجهه إذا أَمِنَ عليه الاغترار، وفيه أنَّ المرءَ لا يكاد يعفو عند الغضب، وأنَّ الصَّالح إذا كانت منه هفوةٌ يُذَكَّر لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا...} الآية [الأعراف:201].
          وفيه: سؤال الاستغفار والتحلُّل مِن الظُّلم، وفي بعض الحديث أنَّ عُمُر ☺ قال: كنتُ أُداري منه بعض الحدِّ، وفي حديثٍ آخر بعض الحِدَّةِ، وفي حديثٍ آخرَ: ((الْحِدَّةُ تَعْتَرِي خِيَارَ أُمَّتِي)).
          وفيه: مَنْقَبَةٌ ظاهرةٌ للصِّدِّيق في قولِه: (إنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِه وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِيْ صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوْذِيَ بَعْدَهَا).