التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مناقب علي بن أبي طالب

          ░9▒ (مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ القُرَشِيِّ أَبِي الحَسَنِ الهَاشِمِيِّ ☺) /
          له كُنيةٌ ثانيةٌ وهي: أبو تُرَابٍ، كَنَّاهُ بذلك رسولُ الله صلعم لَمَّا رآهُ في المسجد نائمًا، ووجدَ رداءَه قد سقط على ظهره وخَلُص إليه الترابُ، كما رواه البخاريُّ مِن حديث سَهْلِ بن سعدٍ ☺ في أبواب المساجد [خ¦441]، وروى عمَّارُ ☺ أنَّهُ ◙ قال له ذلك في غَزْوةِ العُشيرة، رواه ابن إسحاقَ في «السِّيرة»، ورواه البخاريُّ في «تاريخه» بالانقطاع، وأمَّا الحاكم فصحَّحَهُ، قال ابن إسحاقَ: وحدَّثَني بعضُ أهل العلم أنَّهُ ◙ إنَّما سمَّاهُ بذلك أنَّه كان إذا عَتَب على فاطمَةَ في شيءٍ أخذ تُرابًا فيضعه على رأسه، فكان ◙ إذا رأى الترابَ عَرَفَ أنَّهُ عاتبٌ على فاطمَةَ، فيقول: ((مَا لَكَ يَا با تُرابٍ؟))، فالله أعلمُ أيَّ ذلك كان.
          وروى أبو مُحَمَّد المنذرِيُّ في «معجمه» مِن حديث حفصِ بن جَمِيع حَدَّثَنَا سِمَاكُ عن جابرٍ ☺: أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا آخى بينَ النَّاسِ لم يُؤَاخِ بين عليٍّ وبينَ أَحَدٍ حتَّى أتى كَثِيبَ رَملٍ فنامَ عليه، فأتاه النبيُّ صلعم فقال: ((قُم يَا أَبا ترابٍ أَتَحْسِبُ أَنِّي أُؤَاخِ بينك وبين أحدٍ؟)) قال: نعم، قال: ((أنتَ أَخِي، وَأَنا أَخوكَ)).
          وأبو طالبٍ اسمُه عَبْدُ مَنَافٍ، وقيل: اسمه كُنيته، أُمُّهُ: فاطمةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمٍ، وهي أوَّلُ هاشميَّةٍ وَلَدَت هاشميًّا، مِن كِبار الصَّحابيَّات، ولَدَتهُ بشِعْبِ بني هاشمٍ، وهو أوَّلُ مَن آمن مِن الصِّبيان، وكان أخفى إسلامه _فأمَّا الصِّدِّيقُ فأظهره_ وسِنُّهُ ثماني سنين، وفيه أقوالٌ أُخر إلى عشرين، قال أبو عُمَرَ: وأصحُّ ما قيل فيه ابنُ ثلاث عشرة.
          بُويع يومَ مقتلِ عُثْمَانَ في ذي الحِجَّة سنة خمسٍ وثلاثين، قَتَلَهُ عبدُ الرَّحمن بن مُلْجَمٍ الفاتِكُ، وإن ذُكر في الصَّحابة، وقال ابن يُونُسَ: وقرأَ على معاذِ بن جبلٍ، وكان قتلُه في رمضانَ سنةَ أربعين عن ثلاثٍ وستِّين أو سبعٍ أو ثمانٍ وخمسين، وهو مِن المهاجرين الأوَّلين، وخصائصُه كثيرةٌ ذكرتُها في ترجمته موضَّحةً في الكتاب المشار إليه فيما سلف، قال الإمام أحمدُ: لم يروَ في فضائل الصَّحابة بالأسانيد الحِسَان ما رُوِي في فضائله مع قِدَم إسلامه.
          ثمَّ ذكرَ البخاريُّ في الباب أحاديثَ معلَّقةً ومُسندةً:
          أوَّلها: (قَالَ النَّبيُّ صلعم لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ).
          هذا الحديث أسندَه بعدُ [خ¦4251] مِن حديث البَرَاء قال: خرجَ رسولُ الله صلعم يعني: مِن مكَّةَ فاتبعته ابنةُ حَمْزَةَ تُنادي: يا عمُّ... الحديث، فذكره: وقد سلف مطوَّلًا في الصلح [خ¦2699]، وأخرجَه التِّرْمذيُّ مِن حديث عِمْرَانَ بن حُصَينٍ بلفظ: ((إِنَّ عليًّا منِّي وأنا منه، وَهوَ وَلِيُّ كُلِّ مؤمنٍ بَعدي))، ثمَّ قال: حسنٌ غريبٌ لا نعرفُه إلَّا مِن حديث جَعْفرِ بنِ سُليمانَ، وأخرجه أبو القاسمُ إسماعيلُ بن إسحاق بن إبراهيمَ البَصْرِيُّ في «فضائل الصَّحابة» مِن حديث بُرَيدةَ مطوَّلًا فيه: ((لا يقعُ في عليٍّ فإنَّ عليًّا منِّي وأنا منه))، ومِن حديث الحكمِ بنِ عطيَّةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ وجعفرًا وزيدًا دخلوا على رسول الله صلعم فقال: ((أَمَّا أنتَ يا جعفرُ فأشبَهَ خُلُقُكَ خُلُقِي، وأنت يا عليُّ فأنت مِنِّي وأنا مِنك)) الحديثُ، وفي حديث أبي رافعٍ: فقال جبريلُ: وأنا منكما يا رسول الله.
          والحديث فيه فضيلةٌ ظاهرةٌ له، وأبو سيِّدنا رسول الله صلعم وأبوه شقيقانِ.
          الحديث الثاني: وَقَالَ عُمَرُ ☺: (تُوُفِّي النَّبيُّ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ).
          هذا الحديث سلفَ في الباب قبله مُسندًا.