التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ذكر طلحة بن عبيد الله

          ░14▒ (بَابُ ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ☺
          وَقَالَ عُمَرُ ☺ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ) هذا سلف [خ¦3700].
          3722- 3723- ثمَّ ساق عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أنه قال: (لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّام التِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلعم غَيْرُ طَلْحَةَ وَسْعْدٍ ☻. عَنْ حَدِيثِهِمَا).
          3724- وعن قيسِ بن أبي حازمٍ قال: (رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا رَسُولَ اللهِ صلعم قَدْ شُلَّتْ).
          الشرح: هو أبو مُحَمَّدٍ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لؤيِّ بنِ غالبٍ، أحدُ العشرة، وأحدُ الثَّمانية الذي سبقوا إلى الإسلام، وأحدُ الستَّةِ أصحاب الشُّورى، والخمسة الذين أسلموا على يدِ الصِّدِّيق.
          أُمُّه: الصَّعْبَةُ بنتُ عبد الله أُختُ العلاءِ بن الحَضْرَمِيِّ مِن المهاجرات، ضَرَبَ له النَّبيُّ صلعم بسهمٍ واحدٍ يوم بدرٍ، وكان غائبًا بالشام، وأبلى يوم أُحُدٍ بلاءً عظيمًا، سمَّاهُ رسول الله صلعم: طَلْحَةَ الجُود، وطَلْحَةَ الخير، وطَلْحَةَ الفيَّاض؛ لكثرة بذلِه للأموال، وفتى قُرَيشٍ ومن خواصَّهِ كما قال أبو الثَّناءِ: أنَّهُ ◙ كان إذا لم يره قال: ((مَا لِي لَا أَرَى الصَّبِيحَ المليحَ الفَصِيحَ))، ولم يثبت معه يوم أُحُدٍ غيرُه.
          وقال المبَرِّدُ: حدَّثَني التُّوزِيُّ قال: كان يُقَال لطَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ: طَلْحَةُ الطَّلْحَاتِ، قال المبرِّدُ: وكان يُوصَف بالتمام، يعني: في القامة، روى عنه بنوه وغيرهم: كان أوَّلَ مَن قُتل يوم الجمل سنة ستٍّ وثلاثين، بالبصرة عن أربعٍ وستِّين، أو اثنتين أو ثمانٍ وخمسين، أو خمسٍ وسبعين، أصابه سَهْمٌ غَرْبٌ فقُطِع مِن رِجْله عِرق النَّسَا فثَجَّ حتَّى نزَفَ فمات، وخلَّفَ مالًا جزيلًا ثلاثينَ ألف ألفٍ، وفي الصَّحابة مَن اسمهُ طَلْحَةُ نحو العشرين.
          ومعنى قوله: (لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ) يريد يومَ أُحُدٍ، و(شَلَّتْ) بفتح الشين تُشَلُّ، ذكره ثعلبٌ، وهو كما قال الشَّنْتَمريُّ: بطلانٌ في اليد أو الرِّجْل مِن آفةٍ تعتريها، وليس معناه قطعت كما ذكره ابن سِيْدَه، وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: إذا استرخت، وقال كُرَاع في «مجرَّده»: هو تقبُّضٌ في الكفِّ، وأصله مِن شَلِلْتُ على فَعِلْتُ بكسر العين، قال ابن دَرَسْتَوْيهِ: والعامَّةُ تقول: شُلَّتْ بالضمِّ وهو خطأٌ، وقال اللِّحْيانيُّ: / إنَّهُ قليلٌ، وقال ابن الأعرابيِّ: إنَّها لغةٌ رديئةٌ، وسأل أبو موسى الحامِضُ ثعلبًا، فقال: كيف نردُّهُ إلى ما لم يُسَمَّ فاعله، قال يقول: أُشِلَتْ.
          وفي «أيمان العرب» لثعلبٍ: أشلَّ الله عشرةً، وأشلَّت عشرة، يُقَال: شَل، وشُل، وعُل، وأُلَّ مِن الشلِّ، وعُلَّ أي: جُنَّ، قال الأخفشُ: أحسب ثعلبًا جرى على هذا لمزاوجة الكلام؛ لأنَّ تعدِّيه وشل، وكذلك الذي يليه، وقال ابن سِيْدَه في «عَويصِه»: أشللتُ يدَه بالألف، وقيل: إنَّما قُطع إصبعُهُ.
          وكان ◙ لَمَّا انحاز إلى الجبل يوم أُحُدٍ انحاز معه طَلْحَةُ واثنا عشر رجلًا مِن الأنصار، فلحقهم المشركون، فاستأذَنَهُ طَلْحَةُ في القتال فلم يأذن له، واستأذنَه رجلٌ مِن الأنصار فأذِنَ له، فقاتل القومَ وأشغلهم بالقتال وقتًا مِن النَّهار، والنَّبيُّ صلعم ذاهبٌ بمَن معه فقُتِلَ الأنصاريُّ، ثمَّ لحقوهم فاستأذنَه طَلْحَةُ فأبى، واستأذنَه أنصاريٌّ آخر فأذِنَ له، إلى أن قُتل اثنا عشر رجلًا، ولحقَ رسولُ الله صلعم وطلحةُ بالجبل فاتَّقى عنه بيده فقُطِعت إصبعه، فقال: حَسِّ، فقال ◙: ((لَو ذَكَرْتَ اللهَ لَرَفَعَتْكَ الملائكةُ والنَّاسُ يَنظُرونَ))، وقال سعدٌ: رأيتُ يومَ أُحُدٍ رجلين أحدهما عن يمين رسول الله صلعم والآخر عن يساره، عليهما ثيابٌ بِيضٌ يقاتلان قتالًا شديدًا، لم أرهما قبله ولا بعده، يعني ملَكَين.
          فائدة: دعا طلحَةُ يومًا أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَان ♥ إلى طعامٍ، فدعا خادمَه فأبطأ عليه، ثمَّ دعاه فقال: لبَّيكَ، فقال له طَلْحَةُ: لا لبَّيكَ، فقال أبو بكرٍ: ما سرَّني أن أقولها وإنَّ لي نِصف الدُّنيا، وقال عُثْمَان مثله، وإنَّ لي حُمْر النَّعَم، ومرَّ عليٌّ بطلحَةَ قتيلًا فنزل إليه، وقال: أضحى أبو مُحَمَّد مُعَفَّرًا في التراب، يعزُّ عليَّ، إلى الله أشكو عُجَرِي وبُجَرِيْ غريبًا بهذه البلدة، ثمَّ قال:
فَتًى كَانَ يُدنيه الغِنَى مِن صَدِيْقِهِ                     إِذَا مَا هُوَ اسْتَغْنَى ويُبْعدُهُ الفَقْرُ
          وجمع له ما كان في ذلك مِن المال، فجاء ابنه عِمْرَانُ فأجلسه إلى جنبِهِ ورحَّبَ به وسَهَّلَ، ودفع إليه المال، وقال: إنَّما حفظته عليكم، وأرجو أن أكون أنا وأبوك على سُرُرٍ متقابلين.
          فائدة: قوله: (عَنْ حَدِيثِهِمَا) أي أخبراني ذلك، يعني أبا عُثْمَان، وهو النَّهْدِيُ.