التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: لو كنت متخذًا خليلًا

          ░5▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: لو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا. قاله أبو سعيدٍ ☺)
          وقد أسلفه واضحًا [خ¦466].
          3656- ثمَّ ساق حديثَ عِكْرِمَة عن ابن عبَّاسٍ ☻: عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي).
          3657- وفي لفظ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ).
          3658- وحديثَ عبد الله بن أبي مُلَيكَةَ قال: (كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللهُ صلعم: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُهُ. أَنْزَلَهُ أَبًا، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ).
          الشرح: قام الإجماعُ مِن أهل السُّنَّة والجماعة على أنَّ الصِّدِّيقَ أفضلُ الصَّحابة، ثمَّ عُمُرُ، وفي «مسند البزَّار»: أنَّه ◙ قال لعليٍّ: ((أبو بكرٍ وعُمَرُ سيِّدا أهلِ الجَنَّة مِن الأوَّلين والآخرين، إلَّا النبيِّين والمرسلين))، وأخرجه التِّرْمذيُّ مِن حديث أنسٍ أنَّه ◙ قال لأبي بكرٍ وعُمَرَ: ((هَذان سيِّدا كُهول أهل الجَنَّة...)) إلى آخره، ثمَّ قال: حسنٌ.
          واختُلف في عُثْمَان وعليٍّ فالأشهر عُثْمَانُ، وقيل: عليٌّ، وقيل: لا تفضيلَ بينهما، ذكره مالكٌ في «المدوَّنة»، وبعد عليٍّ بقيَّةُ العشرة، ثمَّ أهلُ بدرٍ مِن المهاجرين، ثمَّ مِن الأنصار ومِن جميع أصحابه على قَدْر الهجرةِ والسابقةِ والفضيلة، وأغربَ مَن قال: العبَّاسُ أفضلُ الأُمَّةِ، وكأنَّهم قاسوه على الميراث، وحديثُ ابن عُمَرَ في الباب صريحٌ فيما قررَّناه، فإنَّهُ أضاف إلى زمن رسول الله صلعم وهم الصَّحابة فكيف يُجتهد بعدهم فيه، ويقال: إنَّها مسألةٌ اجتهاديةٌ وأنَّه لا اعتراضَ على مَن رجَّحه، قال النَّخَعيُّ: لو رأيتُ الصَّحابة يتوضَّؤون إلى الكُوعين لتوضَّأْتُ كذلك، وأنا أقرؤها: إلى المرافق، وذلك أنَّهم لا يُتَّهَمُون لأنَّهم أحرصُ خَلْقِ الله على اتِّباعٍ نبيِّهِ، ولا يظنُّ أحدٌ بهم ذلك إلَّا ذو ريبةٍ مِن دينه، وهم أعلم بما خصَّهم به الشارع، وقد رُوِيَ مِن حديث أنسٍ: لَمَّا كان صلعم في البستان أنَّه بشَّر الصِّدِّيق، ثمَّ عُمَرَ، ثمَّ عُثْمَان بالخلافة والجَنَّة.
          قال أبو سعيدٍ الكنجروذي في «العَوَالي الصِّحاح»: قيل: تفرَّد به عبد الصَّمدِ بن عبد الرَّحمن، وكلُّهم ثِقَاتٌ، وروي مِن حديث عِمْرَانَ مرفوعًا: ((مَن رَأَى أَبَا بَكْرٍ في المَنام فقد رآهُ، فإنَّ الشَّيطان لا يتمثَّلُ به)) وهو غريبٌ مِن حديث أيُّوبَ، تفرَّد به ابنُ عائشة عُبَيدِ اللهِ بن محمد، وله خصائصُ أُخر نحو الثلاثين ذكرتُها في كتابي «العِدَّة في معرفة رجال العمدة» فراجعها منه، وكذا ذكرتُ فيه خصائص باقي الأربعة.
          قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ) قال الدَّاوديُّ: لا أُراه محفوظًا، فإن يكن محفوظًا فمعناه أُخُوَّة الإسلام دون المخاللة أفضلُ مِن المخاللة دون أُخوَّة الإسلام، وإن يكن قوله: ((لو كنْتُ مُتَّخِذًا غير ربِّي)) لم يَجُز أن يقول: أُخُوَّةُ الإسلام أفضلُ، وليس يقضى هذا بأخبار الآحاد.
          فصل: وقوله: أَنْزَلَ أبو بكرٍ الجدَّ أبًا، أي بمنزلته، يريد أنَّه يَرِث وحدَه دون الأُخُوَّة كالأب، وهو مذهب أبي حنيفةَ، وعندنا وعند مالكٍ: يُقاسم الإخوَّةَ ما لم ينقصه ذلك من الثُلُث، وهو قول زيدٍ، وقال عليٌّ: ما لم يُنقص مِن السُّدُس، وذُكر عن عليٍّ: يقاسمهم ماكانوا، وهذا إذا لم يكن معهم أحدٌ.
          فصل: قول البخاريِّ إثرَ قول ابن عبَّاسٍ: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى وَمُوسَى) معلَّى هو ابن أسدٍ، ومُوسَى هو ابن إسماعيلَ التَّبُوذَكِيُّ، وعند أبي ذرٍّ عن المستمْلِي وحدَه: <التَّنُوخِيُّ> بدل: (التَّبُوذَكِيِّ) وهو خطأٌ.
          فصل: روى مسلمٌ مِن حديث ابن مسعودٍ مثل حديث أبي سعيدٍ الذي أورده البخاريُّ، ومِن حديث جُنْدُبٍ أيضًا، وقال: قبل موته بخمسٍ، ولابن الزُّبَيْر بيومٍ، وأخرجه ابن مَسْديٍّ في «فضائل أبي بكرٍ» مِن حديث أنسٍ وفي آخِره: ((سدُّوا كلَّ خَوْخَةٍ في القبلة إلَّا خَوْخَةَ أبي بكرٍ)).