-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
باب القليل من الهبة
-
باب من استوهب من أصحابه شيئًا
-
باب من استسقى
-
باب قبول هدية الصيد
-
باب قبول الهدية
-
باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض
-
باب ما لا يرد من الهدية
-
باب من رأى الهبة الغائبة جائزةً
-
باب المكافأة في الهبة
-
باب الهبة للولد
-
باب الإشهاد في الهبة
-
باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها
-
باب هبة المرأة لغير زوجها
-
باب بمن يبدأ بالهدية؟
-
باب من لم يقبل الهدية لعلة
-
باب: إذا وهب هبةً أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه
-
باب: كيف يُقبض العبد والمتاع
-
باب: إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل: قبلت
-
باب: إذا وهب دينًا على رجل
-
باب هبة الواحد للجماعة
-
باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة والمقسومة وغير المقسومة
-
باب: إذا وهب جماعة لقوم
-
باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق
-
باب: إذا وهب بعيرًا لرجل وهو راكبه فهو جائز
-
باب هدية ما يكره لبسها
-
باب قبول الهدية من المشركين
-
باب الهدية للمشركين
-
باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته
-
باب
-
باب ما قيل في العمرى والرقبى
-
باب القليل من الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░28▒ (بَابُ قَبُولِ الهَدِيَّةِ مِنَ المُشْرِكِينَ)
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ ◙ بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ).
وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلعم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ.
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: (أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلعم بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ).
2617- ثُمَّ ذكر حديثَ أنسٍ في الشَّاة المسمومة المهداة لَه مِنْ جهة اليهوديَّة.
2615- وحديثَه أيضًا أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا).
2616- وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتادة عَنْ أَنَسٍ: (إِنَّ أُكَيْدِرَ دُوْمَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلعم).
2618- ثُمَّ ساق حديثَ عبد الرَّحمنِ بن أبي بكرٍ: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم ثَلاَثِينَ وَمِئَةً...) وذكرَ شِراءَ الشَّاةِ مِنَ المُشْرِكِ بعد أن قال لَه: (بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً؟).
الشَّرح: تعليق أبي هريرة سَلف في البُيوع مسندًا [خ¦2217]، وإهداء الشَّاة المسمومة قد أسندَه بعدَه مِنْ حديث أنسٍ [خ¦2617]، ويأتي في الجزية مطوَّلًا [خ¦3169]، واسم أبي حُميدٍ عبدُ الرَّحمنِ بن عمرٍو.
وتعليقُ أبي حُميدٍ سلف في الزَّكاة [خ¦1481] مسندًا، وعند مسلمٍ: ((جاءَ رَسُولُ ابنِ العَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ بكتابٍ إلى رَسُول الله صلعم)).
وفي «الهدايا» لأبي إسحاقَ الحربيِّ عن عليٍّ: ((أَهْدَى يُوحنَّا بن رُؤبة إلى رَسُول الله صلعم بَغْلَتَهُ الَبْيَضاءَ)).
وفي مسلمٍ: ((أنَّهُ ◙ كان يوم حُنينٍ عَلَى بغلةٍ له بيضاءَ أَهْدَاها لهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ)).
وحديثُ عبد الرَّحمنِ سلف قريبًا في باب الشِّراء والبيع مِنَ المشركين وأهلِ الحرب مِنْ كتاب البُيوع [خ¦2216].
واحتجاج البخاريِّ بقصَّة سارةَ يدلُّ أنَّ مذهبَه أنَّا مخاطَبون بشرع مَنْ قبلَنا، وهو قول مالكٍ.
قال ابن التِّينِ: وهو الصَّحيح لقولِه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] والقولُ الآخر: أنَّا غيرُ مخاطَبين بِه.
وأحاديثُ الباب دالَّةٌ عَلَى جواز قَبول هديَّة المشركين، وفي التِّرمِذيِّ أنَّه ردَّ هديَّة المشرك وقال: ((إنِّي نُهيتُ عنْ زَبْدِ المشركين)) وصحَّحَه، وزبْدُ المشركين هدايَاْهم، قيل: إنَّه عِياض بن حمارٍ، وقيل: إنَّهُ نسخ، وقيل: يُفرَّق بين المشرك والكتابِّي. وأُكَيْدرُ مِنْ أهل الكتاب فقبل هديَّتَه، وقيل: كان يؤدِّي الجزية إلى رَسُول الله صلعم، وقد سلف ذلك واضحًا.
والأوَّل أولى لحديث المشرك المُشعانِّ وحديث أمِّ عطيَّة، إلَّا أنَّ تركَها أفضلُ عملًا باليد العليا.
وقد سُئِل مالكٌ عمَّن وصل بشيءٍ فقال: تركُه أفضلُ إلَّا أن يخاف عَلَى نفسِه الجوع.
وأوضح المسألةَ ابنُ بَطَّالٍ فقال: ثبتَ عن النَّبيِّ صلعم بهذِه الآثار وغيرِهَا أنَّهُ قَبِلَ هداياْهم، قال: وأكثر العلماء عَلَى أنَّهُ لا يجوز ذلك لغيرِه مِنَ الأمراء، إذ كان قَبولُها منْهم عَلَى جهة الاستبداد بِها دون رعيَّتِه، لأنَّهُ إنَّما أهدى لَه ذلك مِنْ أجل أنَّهُ أمير الجيش، وليس الشَّارع في ذلك كغيرِه، لأنَّهُ مخصوصٌ بما أفاء الله عليْه مِنْ أموال الكفَّار مِنْ غير قتالٍ.
وقد اختلف العلماء في هدايَاْهم عَلَى أقوال أحدِها: أنَّ ما أهداه الحربيُّ إلى والي الجيش _كان الواليَ الأعظمَ أو دونَه_ فهو مغنمٌ لأنَّهُ لم يَنَلْه إلَّا بِهم، وفيْه الخُمس، وهو قول الأوزاعيِّ ومحمَّد بن الحسن، وابن حَبيب قال: وسمعت أهل العلم يقولون: إنَّما والي الجيش في سهمانِه كرجل منْهم، لَه ما لَهم وعليْه ما عليْهم.
ثانيْها: ما أُهدي لوالي الجيش فهو لَه خاصَّة، وكذا ما يُعطَاْه الرَّسول، قالَه أبو يوسف.
ثالثِها: قال محمَّد بن الحسن: لو أهدى العدوُّ إلى رجلٍ مِنَ المسلمين ليس بقائدٍ ولا أميرٍ هديَّةً، فلا بأس أن يأخذَها، وتكونَ لَه دون أهل العسكر وهو قولُ الأوزاعيِّ وابنِ القاسم.
قال: وأمَّا حديثُ عياضٍ: ((إنِّي نُهيت عن زَبْد المشركِينَ)) فهو معارضٌ لقَبولِه هدايَاْهم، فيكون ناسخًا لَها، قيل: يحتمل أن يكون تركَها لِمَا في ذلك مِنَ التَّأنيس والتَّحابِّ، ومَنْ حادَّ الله ورسولَه وشاقَّهما حَرُمَ عَلَى المؤمنين موالاتُه، أَلَا ترى أنَّهُ جَعل عليْه ردَّها لمَّا لم يُسلم.
وقد روى مَعمرٌ عن الزُّهْريِّ، عن عبد الرَّحمنِ بن كعب بن مالكٍ قال: جاء مُلاعبُ الأسنَّةِ إلى رَسُول الله صلعم بهديَّةٍ فعرضَ عليه الإسلام فأبى أن يُسلم فقال: ((إنِّي لا أَقْبلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ)) فدلَّ هذا الحديثُ عَلَى مثل ما دلَّ عليْه حديثُ عِياضٍ، وبان بِه أنَّ قَبول الشَّارع هديَّةَ مَنْ قَبِلَ هديَّتَه مِنَ المشركين، إنَّما كان عَلَى وجه التَّأنيس والائتلاف رجاء إنابتِهم إلى الإسلام، ومَنْ يئس مِنْ إسلامِه منْهم ردَّ هديَّتَه.
وقال الطَّبريُّ: قَبول هدايا المشركين إنَّما كان نظرًا منْه للمسلمين، وعودًا بنفعِه عليْهم لا إيثارًا منْه نفسَه بِه دونَهم، وللإمام قَبول هدايا أهل الشِّرك وغيرِهم إذا كان ما يَقبلُه مِنْ ذلك للمسلمين.
وأمَّا ردُّ هديَّة مَنْ ردَّ هديَّتَه منْهم، فإنَّما كان ذلك مِنْ أجل أنَّه أهدَاْها لَه في خاصَّة نفسِه فلم يرَ قَبولَها تعريفًا منْه لأمَّتِه مِنْ بعدِه أنَّه ليس لَه قَبول هديَّة أحدٍ لخاصَّة نفسِه، وبيَّن ذلك ما رواْه نُعيم بن عَونٍ عن الحسن قال: جاء رجلٌ إلى رَسُول الله صلعم يُقال لَه عِياضٌ كانت بينَه وبين رَسُول الله صلعم صداقةٌ قبل أن يُبعث بهديَّةٍ فقال لَه: ((أسلمتَ؟))، قال: لا. قال: ((فإنَّهُ لا يَحِلُّ لَنَا زَبْد المُشْرِكينَ)) / قال الحسن: الزَّبْد: الرِّفْد، ذكرَه ابن سلامٍ.
فإن ظنَّ ظانٌّ أنَّ قولَه: ((إنَّا لَا نَقْبَلُ هَدِيَّةَ مَشْرِكٍ))، وأنَّ ما رواه عطاءٌ عن جابرٍ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ)) أنَّ ذلك عَلَى العموم فقد أخطأ.
وذَلِكَ أنَّهُ لا خلافَ بين الجميع في أنَّ الله تعالى قد أباح للمسلمين أموال أهل الشِّرك بالله بالقهر والغلبة لَهم، لقولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنفال:41] فهو بطيب أنفسِهم لا شكَّ أحلُّ وأطيَبُ.
دليلُه حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، أنَّ ملك الرُّوم أهدى لرسول الله صلعم جَرَّةً مِنْ زَنْجَبيلٍ فقسمَها بين أصحابِه فأعطى كلَّ رجلٍ منْهم قطعةً.
وما روَاْه قُرَّة عن الحسن قال: أهدى أُكَيْدِرُ دُوْمَةِ الجَنْدلِ إلى رَسُول الله صلعم جَرَّةً فيْها مَنٌّ، وبالنَّبيِّ صلعم وأهلِه إليْها حاجةٌ، فلمَّا قضى الصَّلاةَ أمر طائفًا فطاف بِها عَلَى أصحابِه، فجعل الرَّجل يُدْخِل يدَه فيُخْرِج فيأكلُ، فأتى خالد بن الوليد فأدخل يدَه فقال: يا رَسُول الله، أخذ القوم مرَّةً مرَّةً وأخذتُ مرَّتين فقال: ((كُلْ وَأَطْعِمْ أَهْلَكَ)).
وأهدى أَلْبُونُ ملكُ الرُّوم إلى مَسْلَمة بن عبد الملك لؤلؤتين بالقُسطنطينيَّة فشاور أهلَ العلم مِنْ ذلك الجيش فقالوا: لم يُهْدِها إليك إلَّا لموقعك مِنْ هذا المجلس، فنرى أن تبيعَهما وتقسمَ ثمنهما عَلَى هذا الجيش، فثبت بفعل الشَّارع وقولِ أهل العلم بعدَه أنَّ الَّذي كان مِنْ ردِّهِ هدية مَنْ ردَّ مِنَ المشركين كان لما وُصِف لك إذ مِنَ المحال اجتماع الرَّدِّ والقَبول في شيءٍ واحد، فبان أنَّ سبب قَبول ما قَبل غيرُ سبب ردِّ ما ردَّه. فإن قلت: إنَّ آخِرَ فِعْلَيْهِ ناسخٌ للآخر.
قلتُ: لو كان كذلك لكان مبيَّنًا، وكان عَلَى النَّاسخ دليلٌ يفرِّق بينَه وبين المنسوخ، إذ غير جائزٍ أن يكون شيءٌ مِنْ حكم الله غيرَ معلومٍ الواجبُ منْه عَلَى عبادِه، إمَّا بنصٍّ عليْه أو دِلالةٍ منصوبةٍ عَلَى اللَّازم فيْه، فبان بهذا أنَّ سبيلَ الأئمَّة القائمين بعدَه بأمر الأمَّة سبيلُه في أنَّ مَنْ أهدى إليْه مَلِكٌ مِنْ ملوك أهل الحرب هديَّةً فلَه قَبولُها وصرفُها حيثما جعل الله ما خوَّل المسلمين مِنْ غير إيجافٍ منْهم عليْهم بخيلٍ ولا ركابٍ، وإن كان الَّذي أهدى إليْه وهو منيخٌ مع جيشٍ مِنَ المسلمين بعقرة دارِهم محاصرًا لَهم فلَه قَبولُه وصرفُه فيما جعل الله مِنْ أموالِهم مصروفًا، فيما نيل بالقهر والغلبة لَهم، وذَلِكَ ما أوجفوا عليْه بالخيل والرِّكَاب، كالَّذي فَعل الشَّارع بأموال قُريظة، إذ نزلوا عَلَى حُكم سعدٍ لمَّا نَزل هو وأصحابُه محاصِرين لَهم.
تنبيهاتٌ:
أحدُها معنى قوله: (وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ) قيل: ولَّاه المكان، وقيل: ألَّا يؤخذ عند الغلبة عليهم.
ثانيها قَالَ المُهلَّب: في حديث أبي حُميدٍ مكافأةُ المشرك عَلَى هديَّتِه لأنَّهُ ◙ أهدى لَه بُردةً.
وفيْه جوازُ تأمير المسلم للمشرك عَلَى قومِه، لِمَا في ذلك مِنْ طَوعِهم لَه وانقيادِهم.
و(أَيْلَةَ) بفتح الهمزة، قال الطَّبريُّ: كان صاحبُها مِنْ أهل الجزية بالصُّلح الَّذي جرى بينَه وبين رَسُول الله صلعم، قَالَ المُهلَّب: وفيْه تَولية البحر وأنَّهُ عملٌ مِنَ الأعمال.
وفيْه جوازُ نسبة العمل إلى مَنْ أمر بِه لقولِه: (وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ) وهو ◙ لم يكتب، كما قال: رجم رَسُول الله صلعم، وإنَّما أمر بذلك.
ثالثها: في قَبول الشَّاة المسمومة دِلالةٌ عَلَى أكل طعام مَنْ يحلُّ أكلُ طعامِه دون أن يُسأل عن أصلِه، ولا يُحتَرَسُ مِنْ حيث إن كان فيْه مع جواز ما قد ظهر إليْه مِنَ السُّمِّ، فدلَّ ذلك عَلَى حمل الأمور عَلَى السَّلامة، حتَّى يقومَ دليلٌ عَلَى غيرِها، وكذلك حُكمُ ما بيع في سوق المسلمين، وهو محمولٌ عَلَى السَّلامة، حتَّى يتبيَّن خلافُها.
رابعها: في حديث المشرك المُشْعانِّ جوازُ قَبول هدايا المشركين، وقد تقدَّم كثيرٌ مِنْ معنَاْه في البيوع حيث ذكرَه. وفيْه المواساة بالطَّعام عند المَسْغبة والشِّدَّة، وتساوي النَّاس في ذلك، وفي أكل أهل الجيش مِنَ الكَبِد عَلَى قِلَّتِه علامةٌ باهرةٌ مِنْ أعلام نبوَّتِه، وآيةٌ باهرةٌ مِنْ آياتِه.
خامسها قولُه: (لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ) فيْه ضربُ المثال بالمناديل الَّتي يُمسَح بِها الأيدي ويُنْفَض بِها الغبار وتُتَّخذ لفافةً لجيِّد الثِّياب، فكانت كالخادم والثِّيابُ كالمخدوم، فإذا كانت المناديل أفضلَ مِنْ هذِه الثِّياب _أعني جُبَّة السُّندس_ دلَّ عَلَى عِظَم عطايا الرَّبِّ جلَّ جلالُه، قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] قَالَ الدَّاوُدِيُّ: والسُّندسُ رقيقُ الدِّيباج، والْإِسْتَبْرَقُ غليظُه، والَّذي ذكرَه غيرُه كما قال ابن التِّينِ: الإِستبرق أفضلُ مِنَ السُّندس لأنَّهُ غليظ الدِّيباج، وكلُّ ما غلظ مِنَ الحرير كان أفضلَ مِنْ رقيقِه.
سادسها: (أُكَيْدِرَ دُومَةَ) هو ملك دُوْمةِ الجَنْدَل، كان يدعى أُكَيْدِر، و(دَُومَةَ) بفتح الدَّال وضمِّها.
سابعها: إنَّما لم يَقْتُل مَنْ سَمَّهُ عَلَى الأصحِّ لأنَّهُ كان مِنْ شأنِه ألَّا يقتل أحدًا أو أراد ألَّا ينقص مِنْ عذابِها في الآخرة، وأن يبقيَ أجرُه موفرًا فيما نيل منْه، وقد قال الفاروق: الحمد لله الَّذي لم يجعل قتلي عَلَى يد رجلٍ سجد لله سجدةً يحاجُّني بِها يومَ القيامة.
ولمَّا ولِّي مصعبٌ العراقَ أُتي بعمرو بن جُرْمُوزٍ التَّميميِّ قاتل الزُّبير فسجنَه، وكتب إلى عبد الله يأمرُه فكتب إليْه: ما كنت أُقيِّد بالزُّبير رجلًا أعرابيًّا.
ورُوي أنَّهُ ◙ قال لَها: ((مَا حَمَلكَ عَلَى هَذَا؟)) قالت: إنْ كُنْتَ نبيًّا لم يُضرَّك وإن كنتَ كاذبًا استراحَ النَّاس منك، ورُوي أنَّ بعض مَنْ أكل معَه مات.
وجاء في «الصَّحيح»: ((مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادُّنِي فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي)).
ومعنى تعادُّني تأتيني في وقتٍ دون وقت، والأَبْهَر نِيَاط القَلْب، وهو العِرْق الَّذي يتعلَّق بِه القلب، فإذا انقطع مات صاحبُه، فجمع الله لَه بين الرِّسالة والشَّهادة.
وقولُه: (مَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صلعم) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَهَواتهُ ما يبدو مِنْ فِيْهِ عند التَّبسُّم.
وقال الجوهريُّ: اللهَاة الهَنَة اللَّطيفة في أقصى سقف الحلق، والجمع اللها واللهوات / واللهات أيضًا.
وقال القاضي عِياضٌ: هي اللَّحْمة الَّتي بأعلى الحَنْجَرة مِنْ أقصى الفم.
ثامنها: إنَّما أَدخل في الباب حديثَ عبد الرَّحمنِ بن أبي بكرٍ، لقولِه: (أَوْ قَالَ: هِبَةً) لا كما وقع للدَّاوُديِّ مِنْ أنَّه مِنْ أجل قولِه أو عطيَّة.
والمُشْعانُّ: فسَّرَه في رواية أبي ذرٍّ بالطَّويل جدًّا، وقَالَهُ ابن فارسٍ: مُشعانُّ الرَّأس، وقال القزَّاز: هو الجافي الثَّائرُ الرَّأسِ، وقد سلف [خ¦2216].
وفيْه المواساة عند الضَّرورة. وفيْه أكلُ القوم بعد القوم لأنَّ القصعتين لا تحملان أيديَ الجماعة.