التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

          ░25▒ (بَابُ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)
          وَيُذْكَرُ عَن ابن عبَّاسٍ أَنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاؤُهُ وَلَمْ يَصِحَّ.
          2609- ثُمَّ ساق حديثَ أبي هريرة في إعطاء (أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ).
          2610- وحديثَ ابن عمر في جَمَلِه حيث اشترَاْه منْه ووهبَه لابنِه عبد الله.
          أمَّا أثرُ ابن عبَّاسٍ، فكأنَّه أراد بِه ما أخرجَه البَيهَقيُّ مِنْ حديث محمَّد بن الصَّلت: حَدَّثَنا مَنْدَل بن عليٍّ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((مَنْ أُهْديتْ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ نَاسٌ فَهُمْ شُرَكاءُ فِيْهَا)).
          ورواه الطَّبرانيُّ عن أبي مسلمٍ الكَشِّيِّ، حَدَّثَنا مالك بن زيادٍ الكوفيُّ، حَدَّثَنا مَنْدَلٌ به وقال: ((وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيْهَا)).
          ومَنْدَلٌ شيعيٌّ صدوقٌ تُكُلِّم فيْه، مات في خلافة المهديِّ سنة سبعٍ وستِّين ومئةٍ.
          وروَاْه عبد الرَّزَّاق عن محمَّد بن مسلمٍ عن عَمرو عن ابن عبَّاسٍ، وكذا روَاْه ابن الأزهر عن عبد الرَّزَّاق مرفوعًا، والموقوف أصحُّ، وروَاْه العُقَيليُّ مِنْ حديث عبد السَّلام بن عبد القُدُّوس، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ عنْه مرفوعًا.
          وروَاْه أيضًا مِنْ حديث عائشة مرفوعًا، وفي سندِه وضَّاح بن خَيْثَمة، قال: ولا يُتابَع عليْه، ولا يصحُّ في هذا المتن حديثٌ. وعبد السَّلام لا يتابَع عَلَى شيءٍ مِنْ حديثِه، وليس ممَّنْ يُقيم الحديث.
          وقال ابن بَطَّالٍ: لو صحَّ قولُه ◙: ((جلساؤكم شركاؤكم)) لكان معنَاْه النَّدبَ عند الفقهاء فيما خَفَّ مِنَ الهدايا وما جرت العادة بترك المشاحَّة فيْه.
          فأمَّا مثلُ الدُّور والعَقار والمال الكثير فصاحبُها أحقُّ بِها عَلَى ما ترجم البخاريُّ، أَلَا ترى أنَّهُ ◙ أمر أن يعطيَ الَّذي يتقاضَاْه أفضلَ مِنْ سِنِّه الَّتي كانت عليْه، ولم يشاركْه أحدٌ ممَّن كان بحضرتِه في ذلك الفضل؟ وكذلك وهب ◙ الجَمل لابن عمر وهو مع النَّاس، فلم يستحقَّ أحدٌ منْهم فيْه شركةً مع ابن عمر، وعلى هذا مذهبُ الفقهاء.
          وروي عن أبي يوسف القاضي أنَّ الرَّشيد أَهْدى إليْه مالًا كثيرًا، فورد عليْه وهو جالسٌ مع أصحابِه فقال لَه أحدُهم: قال النَّبيُّ صلعم: ((جُلَسَاؤكُمْ شُرَكَاؤكُم)) فقال لَه أبو يوسف: إنَّ هذا الحديث لم يَرِد في مثل هذا وإنَّما ورد فيما خَفَّ مِنَ الهدايا وفيما يُؤكل ويُشرب ممَّا تطيبُ النُّفوس ببذله والسَّماحةِ بِه، وقال: ما ذُكر عن ابن عبَّاسٍ لا وجه لَه في القياس لأنَّ المجالسة لا تُثبت الشَّركة في الهديَّة ولا الصَّدقة ولا الهبة ولا غيرِهَا مِنَ العطايا، كما لو انتقل إلى رجلٍ ملكٌ بميراثٍ لا يشاركُوْنَه. واحتجَّ البخاريُّ بأنَّه ◙ لمَّا قضَاْه أفضل مِنْ سِنِّه لم يشاركْه أحدٌ ممَّنْ حضر في الزِّيادة. وكذا حديثُ ابن عمر لم يشركوه أيضًا فيما وهب لَه الشَّارع مِنَ الجمل.
          قلت: وقولُه ◙ في آخرِه: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ) صريحٌ في ذلك، وما ذكرناْه يوضِّح ردَّ قول الإسماعيليِّ: ذكرُ هذا الحديثِ في هذا الباب ليس منْه في شيءٍ.
          قال: والزِّيادة في الشَّيء وتعلُّم القرآن وما لا يتميَّز ليس سبيلُها في القضاء والرَّدِّ سبيلَ الهبة، لكنَّهُ مِنْ حُسن القضاء، وقد يفلس المشتري والسِّلعةُ عندَه / زائدةٌ زيادةً في عين المشترى.
          ومنْه ما لا يتميَّز فيأخذ هذا البائع عَلَى أنَّها عينُ مالِه، وإن كان ذلك باعتداءٍ مِنْ مال المشتري أو نحل فسقَاْه المشتري وقام عليْه، فذلك إحسانٌ مِنَ القاضي إذا قضَاْه لا هبة شيءٍ، أَلَا ترى أنْ لو أفرد ما زاد عَلَى حالٍ عهدها بأن وهب مالكَه مع الزِّيادة هبة تلك الزِّيادة لم يكن شيئًا.