التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استوهب من أصحابه شيئًا

          ░3▒ (بَابُ مَنِ اسْتَوْهَبَ مِنْ أَصْحَابِهِ شَيْئًا)
          وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا).
          2569- ثُمَّ ساق حديثَ سهلٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، مُرِي عَبْدَكِ النجَّار فَلْيَعْمَلْ أَعْوَادَ المِنْبَرِ...) الحديث.
          2570- وحديثَ أبي قَتادة مطوَّلًا، وفيْه: (فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ فَأَكَلَهَا حتَّى نَفِدَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ).
          حَدَّثَنِي بِهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتادة.
          وقد سلفا [خ¦448] و [خ¦1821]، وقائل ذلك هو محمَّد بن جعفرٍ راويه أوَّلًا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادة السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، كما سيأتي في الأطعمة [خ¦5407]، والتَّعليقُ سلف عندَه مسندًا في آخر الرُّقية [خ¦2276].
          إذا تقرَّر ذلك فاستيهابُ الصَّديق الملاطف حسنٌ إذا عُلم أنَّ ما يستوهبُه تطيب بِه نفسُه ويُسَرُّ بهبتِه.
          ويبيِّنُ هذا أنَّهُ قد جاء أنَّ المرأة كانت تطوَّعت لرسول الله صلعم وسألتْه أن تصنع لَه المنبر ووعدتْه بذلك، وإنَّما قال: (اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا) في الغَنم الَّتي أخذوا في الرُّقية بالفاتحة، وقال في لحم الصَّيد: (هل مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟) ليُؤْنسَهم لمَّا تحرَّجوا مِنْ أكلِه بأن يُريَهم حِلَّه عيانًا بأكلِه منْه، ومِنْ هذا الحديث قال بعض الفقهاء: إنَّ المآكل إذا وردت عَلَى قوم دون مجالسيْهم أنَّهم مندوبون إلى مشاركتِهم.
          فصلٌ:
          قولُه في الحديث الأوَّل: (امْرَأَةٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ) كذا وقع هنا، وفي أصل ابن بَطَّالٍ بدله <مِنَ الأَنْصَار>، وهو الصَّواب.
          قال ابن التِّينِ: أكثر الرِّوايات أنَّها مِنَ الأنصار، ولعلَّها كانت هاجرت وهي مع ذلك أيضًا أنصاريَّة الأصلِ أو يكون وَهلًا.
          ومعنى (قَضَاهُ) صنعَه وأحكمَه، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت:12].
          وقولُه: (فَلْيَعْمَلْ لَنَا أَعْوَادَ المِنْبَرِ) وحكاه الخَطَّابيُّ: <فليفعل> أي فعلًا في أعواد المنبر مِنْ نَجْرٍ وتسويةٍ وخرطٍ، قال: والظَّاهر في الاستعمال أن يُقَال: فليصنع أو فليجعل وذَلِكَ أنَّ لفظ الفعل جملةٌ تحتَها أقسامٌ، وجنسٌ يتفرَّع منْه أنواعٌ، وتمام البيان إنَّما يقع بتنزيل الكلام مَنازلَه، وصَنَعَ تُستعمل غالبًا فيما يدخلُه التَّدبير والتَّقدير، ولذلك اختير في اسم الله الصَّانع.
          فصل قولُه: في حديث أبي قَتادة: (أَخْصِفُ نَعْلِي).
          قَالَ الدَّاوُدِيُّ: أصلُه أعمل لَه شِعسًا إذا انقطع، والَّذي قالَه أهل اللُّغة أنَّ خَصْف النَّعَل إطباقُ طاقٍ عَلَى طاقٍ، مثل قولِه تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] أي يُطْبقان عَلَى أبدانِهما ورقَه.
          وقولُه: (حَتَّى نَفِدَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) أي أتى عليها، يُقال: نَفِدَ الشَّيء إذا أُفنِيَ، وأَنْفَدَ القومُ نَفِدَت أزوادُهم.