التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وهب جماعة لقوم

          ░24▒ (بَابُ إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْمٍ أَوْ رَجُلٌ لِجَمَاعَةٍ جَازَ)
          2607- 2608- ثُمَّ ساق حديث مروانَ والمِسْوَر أنَّه ◙ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ: (مَعِي مَنْ تَرَوْنَ...) ثُمَّ ساق القصَّة وقد سلف غيرَ مرَّةٍ منها الوكالة [خ¦2307]، وهو مطابقٌ لما بوَّب لَه.
          أمَّا هبةُ الجماعة للقوم فإنَّ الصَّحابة وهبوا هَوَازنَ السَّبيَ وهو مُشاعٌ لأنَّ هَوازنَ لم يَقسمُوْه بينَهم، بل حاز كلُّ واحدٍ منْهم أهلَه إلَّا بعد أن حصل في ملكِهم، وبعد أن نفذت هبة الصَّحابة لَهم في السَّبي، ولم يكن لأحدٍ منْهم رجوعٌ في شيءٍ مِنْ ذلك لأنَّهم طيَّبوا هبتَهم وأمضَوها، عَلَى شرط ألَّا يقبلوا العِوض مِنَ النَّبيِّ صلعم فيْها، فهذا يردُّ قول أبي حنيفة أنَّ هبة المشاع الَّذي تتأتَّى فيْه القسمةُ لا تجوز لأنَّ هَوَازن إنَّما حازوا أهليْهم بعد تملُّكِهم لَهم فهذا هبةُ الجماعة للجماعة.
          وأمَّا هبة الرَّجل للجماعة فلأنَّ الصَّحابة وإن كانوا قد طابت أنفسُهم بهبة السَّبي، فإنَّما فعلوا ذلك مِنْ أجل شفاعتِه عندَهم فيْه، وأنَّهُ وعد بالعِوض مَنْ لم تَطِب نفسُه بالهبة، فكأنَّهُ هو الواهب إذ كان السَّببَ في الهبة، وأيضًا فإنَّهُ ◙ كان لَه حقٌّ في جملة السَّبي فصحَّ ما ذكرَه، وكذا قال ابن التِّينِ أنَّهُ يريد بقولِه: ومَنْ أحبَّ أن يكون عَلَى حظِّه حتَّى نعطيَه ممَّا يُفيء الله علينا، فلو اختاروا ذلك لكان ◙ يقوِّم لَهم بقدْرِ ذلك مِنَ الفيء ويهبُهم وحدَه.
          وقولُه: (وَمَقْسُومًا أَوْ غَيْرَ مَقْسُوم) فإنَّما أراد أنَّ المُشاع والمقسوم سواءٌ في جواز الهبة، فكذلك ما ينقسم وما لا ينقسم، سواءٌ في جواز الهِبة.
          وقال ابن المنيِّر: احتملَ عند البخاريِّ أن يكون الصَّحابة وهبُوْا الوفدَ مباشرةً، وسيِّدنا رَسُول الله صلعم شفيعٌ، واحتمل أن يكونوا وهبوا رَسُول الله صلعم، وأنَّهُ هو وهَب الوفدَ فترجم عَلَى الاحتمال.