التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يقبل الهدية لعلة

          ░17▒ (بَابُ مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ)
          وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: كَانَتِ الهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ النَّبيِّ صلعم هَدِيَّةً، وَهِيَ اليَوْمَ رِشْوَةٌ.
          2596- ثُمَّ ساق حديثَ الصَّعب بن جَثَّامة السَّالفَ في الحجِّ [خ¦1825].
          2597- وحديثَ أبي حُميدٍ السَّاعديِّ: (اسْتَعْمَلَ النَّبيُّ صلعم رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ...) الحديث.
          والرَُِّشوة السُّحْت، مثلَّث الرَّاء أشهرها الضَّمُّ، وهي كلُّ ما يأخذ الإنسانُ عَلَى غير عوضٍ، ويلزم آخذَه العار، يعني بذلك الأمراءَ ومَنْ في معنَاْهم ممَّن يتَّقى شرُّه.
          والرُّغاء صوت الإبل، والخُوار _بالخاء_ صوت البقر، وقال ابن التِّينِ: هو بالخاء والجيم، وهو في «المطالع» بلفظ الجؤار الصَّوت، ورُوي خوارٌ، والمعنى واحدٌ، إلَّا أنَّه بالخاء يُسْتَعمل في الظِّباء والشَّاء، والجيم للبقر والنَّاس.
          و(تَيْعَرُ) تصيح، واليُعَار صوت الشَّاة، يَعَرَتْ تَيْعَرُ يُعارًا.
          و(عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ) بياضهما، قال صاحب «العين»: العُفْرة غُبْرَةً في حُمْرةٍ كلون الظَّبي الأعفر.
          وتكريره (اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ) ليُسمِعَ مَنْ لم يَسمع، وليبلِّغ الشَّاهدُ الغائبَ، كرَّرَه للتَّأكيد.
          وفيْه _أعني حديث الصَّعب_ ردُّ الهديَّة وهو غاية الأدب فيْه لأنَّها لا تحلُّ للمهدى إليْه مِنْ أجل أنَّه مُحْرِمٌ.
          ومِنْ حسن الأدب أن يكافأ المهدي، وربَّما عسُرت المكافأة فردُّها إلى مَنْ يجوز لَه الانتفاعُ بِها أولى مِنْ تكلُّف المكافأة، مع أنَّه لو قَبلَه لم يكن لَه سبيلٌ إلى غير تسريحِه لأنَّهُ لا يجوز لَه ذبحُه، وهو محرِمٌ.
          ويؤخذ منْه أنَّهُ لا يجوز قَبول هديَّة مَنْ كان مالُه حرامًا عَلَى المهدى إليْه، وكذا مَنْ عُرِف بالغصب والظُّلم.
          وفي حديث ابن اللُّتْبِيَّة أنَّ هدايا العمَّال يجب أن تُجْعَل في بيت المال، وأنَّهُ ليس لَهم منْها شيءٌ إلَّا أن يستأذنوا الإمام في ذلك، كما جاء في قصَّة مُعاذٍ أنَّه ◙ طيَّب له الهديَّة فأنفذَها لَه أبو بكرٍ بعد رَسُول الله، لِمَا كان دخل عليْه في مالِه مِنَ الفَلَس.
          وفيْه كراهية قَبول هديَّة طالب العناية، ويدخل في معنى ذلك كراهية هديَّة المِدْيان والمُقارِض، وكلِّ مَنْ لهديَّتِه سببٌ غيرُ سبب الجيرة أو صلة الرَّحم.