التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وهب دينًا على رجل

          ░21▒ (بَابُ إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ)
          قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ: هُوَ جَائِزٌ، وَوَهَبَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِرَجُلٍ دَيْنَهُ.
          وَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَلْيُعْطِهِ أَوْ لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ).
          وَقَالَ جَابِرٌ: قُتِلَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَسَأَلَ النَّبيُّ صلعم غُرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي.
          2601- ثُمَّ ساقَه مِنْ حديثِه.
          الشَّرح: أثرُ الحكم أخرجَه ابن أبي شَيبة، عن ابن أبي زائدة، عن شُعبة عنْه في رجلٍ وهب لرجلٍ دينًا لَه عليْه، قال: ليس لَه أن يرجعَ فيْه، وحَدَّثَنا أبو داود الطَّيالِسيُّ عن شُعبة قال: قال لي الحكم: أتاني ابن أبي ليلى فسألني عن رجلٍ كان لَه عَلَى رجلٍ دينٌ فوهبَه لَه، ألَه أن يرجع فيْه؟ قلت: لا، فسألتُ حمَّادًا فقال: بلى، لَه أن يرجِع فيْه.
          وقولُه: (عَلَيْهِ حَقٌّ...) إلى آخرِه، ذكرَه مسندًا [خ¦2449] بلفظ ((فإنَّهُ لَيْسَ في الآخرةِ دِيْنَارٌ ولَا دِرْهَمٌ)).
          وحديثُ جابرٍ قد أسندَه [خ¦2127]، وقد سلف أيضًا في الصَّلاة [؟؟؟].
          ولا خلاف بين العلماء أنَّ مَنْ كان عليْه دَينٌ لرجلٍ فوهبَه لَه ربُّه و أبرأَه منْه، وَقَبِل البراءة أنَّهُ لا يحتاج فيْه إلى قبضٍ لأنَّهُ مقبوضٌ في ذِمَّتِه، وإنَّما يحتاج في ذلك إلى قَبول الَّذي عليْه الدَّين لأنَّه ◙ سأل غُرَماء أبي جابرٍ أن يقبضوا ثمر حائطِه ويحلِّلُوه مِنْ بقية دَينِه، فكان ذلك إبراءً لذمَّة جابرٍ لو رضُوا بما دعَاْهم إليْه رَسُول الله، ولم يكن يعرف ذلك إلَّا بقولِهم: قد قَبلنا ذلك ورضينا، فلم يتمَّ التَّحلُّلُ في ذلك إلَّا بالقول.
          واختلفوا إذا وهب دَينًا لَه عَلَى رجلٍ لرجلٍ آخر، فقال: تجوز الهبة إذا سلَّم إليْه الوثيقة بالدَّين وأحلَّهُ بِه محلَّ نفسِه، وإن لم يكن لَه وثيقةٌ وأشهد عَلَى ذلك وأعلن فهو جائزٌ.
          وقال أبو ثَورٍ: الهبة جائزةٌ أشهدَ أو لم يُشهِدْ إذا تقارَّا عَلَى ذلك، وقال الكوفيُّون والشَّافعيُّ: الهبة غير جائزةٍ لأنَّها لا تجوز عندَهم إلَّا مقبوضةً، وقد سلف قريبًا مذاهبُ العلماء في قبض الهبات.
          والحُجَّة لمالكٍ وأبي ثَورٍ أنَّهم جعلوا الموهوب لَه حلَّ محلَّ الواهب في ملك الدَّين، وينزل منزلتَه في اقتضائِه، ولمَّا أجمعوا أنَّهُ يجوز للرَّجل أن يحيل الرَّجل عَلَى مَنْ لَه عليْه دينٌ، كذلك يجوز لَه أن يجعل ما لَه مِنَ المطالبة بدينِه عَلَى رجلٍ لرجلٍ آخر، يُحِلُّه محلَّهُ وينزل منزلتَه إن شاء الله.
          وحديث جابرٍ فيْه الشَّفاعة في وضع بعض الدَّين، وتأخير الغريم المدَّة اليسيرةَ الَّتي لا تضرُّ المطالِب، وجاء في روايةٍ: ((اعْزِلْ كلَّ صنفٍ عَلَى حِدَةٍ)) وأنَّهُ جلس عليْه وأمرَهم أن يَكيلُوْه. وهنا أنَّ جابرًا قضَاْهم ثُمَّ أخبر رسولَ الله صلعم.
          ويحْتَملُ أن يكون ◙ جلس حتَّى اكتالوا بعض حقِّهم، ثُمَّ ذهب ووفَّاْهم، ثُمَّ أخبر رَسُولَ الله صلعم بما كان بعدَه.
          ومعنى (جَدَدْتُهَا) قَطَعْتُها، بالدَّال المهملة والمعجمة.