التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض

          ░8▒ (بَابُ مَنْ أَهْدَى إِلَى صَاحِبِهِ وَتَحَرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ)
          2580- 2581- فيْه حديث عائشة: (كَانَ النَّاس يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمِي) ثُمَّ ساقَه بطولِه، وفي آخرِه: (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَرَجُلٍ مِنَ المَوَالِي، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قال: قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَاسْتَأْذَنَتْ فَاطِمَةُ).
          وهذا أخرجَه مسلمٌ عن حسنٍ الحُلْوانيِّ وأبي بكر بن أبي النَّضْر وعبد بن حُميدٍ، ثلاثتُهم: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كَيْسانَ، وعن محمَّد بن عبد الله بن قُهْزَاد، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن المبارك، عن يونسَ، عن الزُّهْريِّ.
          ولمَّا رواه النَّسائيُّ مِنْ طريق يعقوبَ بن إبراهيمَ وشعيب بن أبي حمزةَ، عن الزُّهْريِّ، قال: وكذلك رواه موسى بن أعين، عن مَعمرٍ، عن الزُّهْريِّ، ورواه عبد الرَّزَّاق، عن معمرٍ، عن الزُّهْريِّ، عن عُروةَ، عن عائشة.
          ورواه يحيى بن صالحٍ الوُحاظيُّ، عن إسحاقَ بن يحيى الكلبيِّ، عن الزُّهْريِّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمنِ بن الحارث بن هشامٍ، عن عائشة ولم يتابَع عليْه، ورواه ابن عُيينةَ وزياد بن سعدٍ، عن الزُّهْريِّ، عن عليِّ بن الحسين مرسلًا.
          قال الذُّهْليُّ محمَّد بن يحيى: ورواه أبو مروانَ الغسَّانيُّ أيضًا عن هشامٍ، عن أبيْه، عن عائشة، والصَّواب حديث الزُّهْريِّ، عن محمَّد بن عبد الرَّحمنِ، عن عائشة.
          وقولُه قبل ذلك: (وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ) أبو مروانَ اسمُه يحيى بن أبي زكريَّا الغسَّانيُّ، وأصلُه مِنَ الشَّام نزل واسط.
          وهذا الحديث تقدَّم بعضُه في الباب قبله [خ¦2574]، وفيْه هنا زياداتٌ منْها أنَّ نساءَه (كُنَّ حِزْبَيْنِ).
          وقولُه في زينبَ: (فَأَغْلَظَتْ وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي بَكْر) قيل: إنَّ ذلك عَلَى ما ظهر لَها، ولا بأس أن يُحَابيَ بعضَ نسائِه إذا لم ينْقِص مِنْ لوازم الباقيات شيئًا.
          وفيْه إدلالُ زينبَ لقرابتِها منْه ولأنَّ الله أنكحَها منْه، كانت تقول لنسائِه: كُلُّكُنَّ زوَّجَكُنَّ الأولياءُ، إلَّا أنا فإنَّ الله زوَّجني إيَّاه، وكانت بنتَ عمَّتِهِ، وكانت تُسامي عائشةَ وقد سألَها ◙ حينَ قال أهل الإفك ما قالوا في عائشة فقالت: أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي! ما علمتُ عليها إلَّا خيرًا، قالت عائشة: فعصمَها اللهُ بالورع.
          وفيْه أنَّ النَّاس لم يكونوا يتحرَّون يوم عائشةَ بأمرِه. وفيْه كما قَالَ الدَّاوُدِيُّ: عذرُه ◙ لزينب، قال ابن التِّينِ: ولا أدري مِنْ أين أخذَه.
          وقولُه: (إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ) أي تعلم مناقب مُضَرَ ومثالبِها، ولمَّا أَمر حسَّانَ أن يهجو قريشًا، قال: ((امْضِ إلى أَبِي بَكْرٍ فِإنَّهُ أَعْلمُ بِمَثالبِ العَرَبِ)) وكان مِنْ أعلم النَّاس، وكان أعلمَهم بِه بعدَه جُبَيرُ بن مُطْعِمٍ، تعلَّم مِنْ أبي بكر.
          قَالَ المُهلَّب: وفيْه مِنَ الفقه أنَّهُ ليس عَلَى الزَّوج حرجٌ في إيثار بعض نسائِه بالتُّحف والطُّرف مِنَ المأكل، وإنَّما يلزمُه العدل في المبيت والمُقام معهنَّ، وإقامة نفقاتهنَّ وما لا بدَّ منْه مِنَ القوت والكسوة، وأمَّا غيرُ ذلك فلا.
          وفيْه تحرِّي النَّاس بالهدايا في أوقات المسرَّة ومواضعِها مِنَ المهدى إليْه ليزيد بذلك في سرورِه.
          وفيْه أنَّ الرَّجل يسعهُ السُّكوت بين نسائِه إذا تناظرن في ذلك، ولا يميل مع بعضِهن عَلَى بعضٍ، كما سكت ◙ حين تناظرت زينبُ وعائشة، ولكنْ قال أخيرًا: (إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ) ففيه إشارةٌ إلى التَّفضُّل بالشَّرف والفهم.