التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استسقى

          ░4▒ (بَابُ مَنِ اسْتَسْقَى)
          وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ لِيَ النَّبيُّ صلعم: (اسْقِنِي).
          2571- ثُمَّ ساق حديث أنسٍ: (أَتَانَا النَّبيُّ صلعم فِي دَارِنَا هَذِهِ فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ وَعُمَرُ تُجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، ثُمَّ قَالَ: الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، أَلَا فَيَمِّنُوا). قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ.
          هذا الحديث سلف في باب: الشَّرب مطوَّلًا [خ¦2351]، وأخرجَه مسلمٌ في الأشربة، وهو مثل الباب الَّذي قبلَه، لا بأس بطلب ما يتعارف النَّاس بطلب مثلِه مِنْ شرب الماء واللَّبن وما يطيب بِه النُّفوس، ولا يُتشاحُّ فيْه، ولا سيَّما أنَّهُ مِنَ النَّبيِّ صلعم ومِنْ مكارمِه ومشاركتِه، وقد وصفَهم الله تعالى أنَّهم كانوا يُؤْثِرون عَلَى أنفسِهم، وإنَّما أعطى الأعرابيَّ ولم يستأذنه كما استأذن الغلام ليتألَّفه بذلك لقُرْب عهدِه بالإسلام.
          وفيْه أنَّ السُّنَّةَ لِمَن استسقى أن يسقيَ مَنْ عن يمينِه، وإن كان مَنْ عن يسارِه أفضلَ ممَّن جلس عن يمينِه، أَلَا ترى قول أنسٍ: (وهِيَ سُنَّةٌ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) وذَلِكَ يدلُّ عَلَى تأكيدِها، وقد تقدَّم ذلك [خ¦2351]، وستأتي لَه زيادةٌ في الأشربة [خ¦5612].
          وقولُه: (فَاسْتَسْقَى) فيْه جواز ذلك ولا دناءة فيْه، بخلاف طلب الأكل منعًا للمنَّة فيْه بخلافِه.
          وفيه جوازُ المسألة بالمعروف عَلَى وجه الفقر. وفيْه إتيانُ دار مَنْ يصحبُه اقتداءً بِه. وفيْه كما قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الإتيان بأفضلِ ما يجد. وفيْه شرب اللَّبن إذا خلطَه بالماء. وفيه جلوس القوم عَلَى قدر سبقِهم.
          وقولُه: (وَعُمَرُ تُجَاهَهُ) أي مستقبِلَه، وكان أصلُه وُجاهَه فأبدل مِنَ الواو تاءً مثل تُراثٍ.
          وقولُه: (وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ) قال ابن التِّينِ: قيل: هو خالد بن الوليد.
          وقولُه: (أَلَا فَيَمِّنُوا) ثلاثًا، فيْه فضلُ التَّيامن وتكرار الكلام للتَّأكيد.