التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هبة المرأة لغير زوجها

          ░15▒ (بَابُ هِبَةِ المَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَعِتْقِهَا، إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهُوَ جَائِزٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً، فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ، قَالَ اللهُ تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5]). /
          ثمَّ ذكر فيْه ثلاثة أحاديثَ
          2590- 2591- أحدَها حديثُ أسماءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لِيَ مَالٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، أَفَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: (تَصَدَّقِي، وَلَا تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ). وقد سلف في الزَّكاة [خ¦1434]، ثُمَّ ذكرَه مِنْ طريقٍ آخرَ سلف أيضًا [خ¦1433].
          2592- ثانيها حديثُ ميمونة: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبيَّ صلعم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ _يَا رَسُولَ اللهِ_ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: (أَوَفَعَلْتِ؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ).
          ثمَّ قال: (وَقَالَ تَابَعَهُ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ، إِنَّ مَيْمُونَةَ أَعْتَقَتْ).
          أراد بهذا متابعةَ اللَّيثِ بن سعدٍ، فإنَّ يحيى بن بُكَيرٍ رواه عنه، عن يزيدَ عن بُكَيرٍ عن كُرَيبٍ، وإنَّ بكرًا تابعه، وإنَّ عَمرًا تابع يزيدَ بن أبي حَبيبٍ، وهو مرويٌّ عند الإسماعيليِّ عن الحسن، حَدَّثَنا أحمدُ بن يحيى، حَدَّثَنا ابن وَهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بُكير بن عبد الله عن كُريبٍ، فذكره.
          2593- ثالثَها حديثُ عائشة في القُرعة في السَّفر و(أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ)، وقد سلف.
          أمَّا الآية فالمراد بالسُّفهاء فيْها اليتامى والنِّساء، وهنَّ أسفهُ السُّفهاء، وهما الضَّعيفان، وذكر المُعْتمِرُ بن سليمان عن أبيْه قال: زعم حَضْرَميٌّ أنَّ رجلًا عمد فدفع إلى امرأةٍ فوضعَتْه في غير الحقِّ فقال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] ومَنْ قال: عنى بالسُّفهاء النِّساءَ خاصَّةً، فإنَّه حَمَلَ اللَّفظ عَلَى غير وجهِه، وذَلِكَ أنَّ العرب لا تكاد تجمع فَعيلًا عَلَى فُعَلاء، إلَّا في جمع الذُّكور أو الذُّكور والإناث.
          فأمَّا إذا أرادوا جمع الإناث خاصَّةً لا ذُكرانَ معهنَّ جمعُوْه عَلَى فَعائلَ وفَعيلاتٍ، مثل غَريبةٍ تُجمَع غَرائبَ وغَريباتٍ، فأمَّا الغُرباءُ فجمع غَريبٍ، نبَّه عليْه الطَّبريُّ.
          وكأنَّ البخاريَّ أراد بالتَّبويب وما فيْه مِنَ الأحاديثِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ خالف ذلك، روى حَبيبٌ المعلِّم، عن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيْه عن جدِّه أن النَّبيَّ صلعم قال لمَّا فتح مكَّة: ((لَا تَجُوزُ عَطِيَّةُ امرأةٍ في مَالِهَا إلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا)) أخرجَه النَّسائيُّ.
          وفي رواية داود بن أبي هندٍ والمعلِّم عن عمرٍو أنَّ أباه أخبرَه، عن عبد الله بن عمرو ((لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ هِبَةٌ فِي مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا)). قال الحاكم: صحيح الإسناد.
          ولأبي داود، عن عمرٍو أنَّ أباه أخبرَه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكرَه.
          ولابن ماجَهْ مِنْ حديث المثنَّى بن الصَّبَّاح، عن عمرٍو: ((إذ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا)).
          ولعبد الرَّزَّاق في «مصنَّفِه» عن مَعمرٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيْه مرفوعًا: ((لَا يَجُوزُ لامْرَأَةٍ عَطيَّةٌ في مَالِهَا إلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا)). وعن مَعمرٍ، عن رجلٍ، عن عِكرمة قال: قضى بِه رَسُولُ الله صلعم. وعن مَعمرٍ عن الزُّهْريِّ أنَّ عمر بن عبد العزيز جعل لَها في مالِها الثُّلثَ في حياتِها.
          وقد اختلف العلماء في المرأة المالكة لنفسِها الرَّشيدة ذات الزَّوج عَلَى قولين
          أحدِهما: أنَّه لا فرق بينَها وبين البالغ مِنَ الرِّجال، فما جاز مِنْ عطايا الرَّجل البالغ الرَّشيد جاز مِنْ عطاياْها. وهو قول الثَّوْريِّ والشَّافعيِّ وأبي ثَورٍ وأصحابِ الرَّأي. وبمعناه قال عطاءٌ، قال ابن المُنْذِرِ: وبِه نقول.
          ثانيْهما: لا يجوز لَها أن تعطيَ مِنْ مالِها شيئًا بغير إذن زوجِها رُوي عن أنسٍ وطاوسٍ والحسن البصريِّ.
          وفيه قولٌ ثالثٌ قال مالكٌ: لا يجوز عطاؤُها بغير إذن زوجِها إلَّا ثلثَ مالِها خاصَّةً، قياسًا عَلَى الوصيَّة.
          وفيه قولٌ رابعٌ قال اللَّيث: لا يجوز عِتق المزوَّجة وصدقتُها إلاَّ في الشَّيء اليسير الَّذي لا بُدَّ منْه في صِلة الرَّحم أو غيرِه ممَّا يُتَقرَّب بِه إلى الله تعالى.
          حُجَّة الأوَّل أنَّ الرَّبَّ جلَّ جلالُه سوَّى بين الرِّجال والنِّساء عند بلوغ الحلم وظهور الرُّشد فقال: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6] فأمر بدفع أموالِهم إليْهم، ولم يخصَّ رجلًا مِنِ امرأةٍ فثبت أنَّ مَنْ صحَّ رشدُه صحَّ تصرُّفه في مالِه بما شاء، وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} الآية [النساء:4]، فأباح للزَّوج ما طابت لَه بِه نفسُ امرأتِه، وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة:237] فأجاز عفوَها عن مالِها بعد طلاق زوجِها إيَّاها بغير استئمارٍ مِنْ أحدٍ، فدلَّ ذلك عَلَى جواز أمر المرأة في مالِها، وعلى أنَّها فيْه كالرَّجل سواءً.
          واحتجُّوا بأمرِه ◙ أسماءَ بالصَّدقة، ولم يأمرْها باستئذان الزُّبير وبعتقِ ميمونةَ الوليدةَ مِنْ غير استئذان الشَّارع وبحديث ابن عبَّاسٍ أنَّه ◙ خطبَ النِّساءَ يوم عيدٍ وقال لهنَّ: ((تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ)).
          وليس في شيءٍ مِنَ الأخبار أنَّهنَّ استأذنَّ أزواجهنَّ، ولا أنَّهُ أمرَهنَّ باستئذانِهم، ولا يختلفون في أنَّ وصاياها مِنْ ثلث مالِها جائزةٌ كالرَّجل، ولم يكن لزوجِها عليْها في ذلك سبيلٌ ولا أمرٌ، وبذلك نطق الكتاب، وهو {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]، فإذا كانت وصايَاْها في ثلث مالِها جائزةً بعد وفاتِها فأفعالُها في مالِها في حياتِها أجوَزُ.
          وحُجَّة الثاني حديثُ عمرو بن شُعيبٍ السَّالفُ، وأحاديثُ الباب أصحُّ منْه، وروى النَّسائيُّ مِنْ حديث عطاء بن السَّائب، عن ميمونة: كانت لي جاريةٌ سوداءُ فقلت: يا رَسُول الله، إنِّي أردت أن أُعتق هذِه. فقال: ((أَفَلَا تَفْدِينَ بِهَا بِنْتَ أَختِكِ أو بِنْتَ أَخِيكِ مِنْ رِعَايَةِ الْغَنَمِ)).
          واحتجَّ ابن حَزْمٍ بما رواه مِنْ طريق ابن عُيَينة، عن ابن أبي خالدٍ، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن امرأتِه أنَّ امرأةً سألت عائشة: أُطعمُ مِنْ بيت زوجي؟ فقالت عائشة: ما لم تَقِي مالَك بمالِه. وهذا فيْه جهالةٌ كما ترى.
          ولمَّا ذكر حديث أبي هريرة في مسلمٍ السَّالفَ: ((وَمَا أَنْفَقتِ المَرْأَةُ في كَسْبهِ...)) الحديث قال: اعترض بعضُ النَّاس بأن قال: هذا رواه أبو هريرة وقد سُئِل هل تصدَّقُ المرأة مِنْ بيت زوجِها؟ قال: لَا إلَّا مِنْ قُوتِها، والأَجْرُ بينَهما، ولا يحلُّ لَها أن تصدَّقَ مِنْ بيتِه إلَّا بإذنِهِ.
          وهذِه الفُتيا إنَّما رُوِّينَاْها مِنْ طريق عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَميِّ _وهو متروكٌ_ عن عطاءٍ، عن أبي هريرة، فهي ساقطةٌ.
          قلت: عبد الملك هذا ثقةٌ، قال ابن سعدٍ: كان ثقةً مأمونًا ثَبْتًا.
          وذكره ابن حِبَّانَ في «ثقاتِه» ووصفَه بالحفظ، وقال جَرير بن عبد الحميد: كان المحدِّثُون إذا وقع بينَهم الاختلافُ في الحديث سألوه فكان حَكَمَهم، وقال / أحمدُ فيما ذكرَه السَّاجيُّ: ثقةٌ ثقةٌ مِنَ الحفَّاظ.
          وكان الثَّوْريُّ يمدحُه ويسمِّيه الميزانَ، وقال التِّرمِذيُّ: ثقةٌ مأمونٌ، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيْه غيرَ شُعبة، وحدَّث عمَّن هو دونَه في الحفظ والعدالة، وقال شُعبة: إنَّما تركتُه لحديث السَّقيفة الَّذي تفرَّد بِه وكان يَعجب مِنْ حِفظِه. وقال ابن خَلْفُون في «ثقاتِه»: وثَّقَهُ ابن نُميرٌ وغيرُه.
          وتأوَّل مالكٌ الأحاديث في أمرِه النِّساءَ بالصَّدقة بأنَّهُ إنَّما أمرَهنَّ بإعطاء ما ليس بالكثير المجحِف بغير إذن أزواجهنَّ لقولِه: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِدِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا)) فسوَّى بين ذلك، فكان لزوجِها في مالِها حقٌّ فلم يكن لَها أن تُتْلِفَه إلَّا بإذنِه.
          وعلى هذا يصحُّ الجمع بين حديث عمرو بن شُعيبٍ، وسائر الأحاديث المعارِضة لَه فيكون حديثُ عمرو بن شُعيبٍ واردًا في النَّهي عن إعطاء الكثيرِ المجحِف وغيرِه فيما ليس بالكثير.
          وأَمَّا حديثُ هبةِ سَوْدَةَ يومَها لعائشة، فليس مِنْ هذا الباب في شيءٍ لأنَّ للمرأة السَّفيهة أن تهبَ يومَها لضَرَّتِها، وإنَّما السَّفه في إفساد المال خاصَّةً، كذا قالَه ابن بَطَّالٍ.
          وأيضًا فهذِه الهِبة للزَّوج لا للضَّرَّة، وهما قولان للعلماء: هل الهِبة للزَّوج أو للضَّرَّة؟ فترجمته عَلَى أحد القولين إذنْ.
          واختلفوا في البِكر إذا تزوَّجت متى تكون في حال مَنْ يجوز لَها العطاء؟ عَلَى قولين أحدِهما: أنَّهُ ليس لَها في مالِها أمرٌ حتَّى تلدَ أو يحولَ عليْها الحول، رُوي هذا عن عمر وشُرَيْحٍ والشَّعبيِّ، وبِه قال أحمدُ وإسحاقُ.
          ثانيْهما: الفَرْق بين البِكر ذات الأب والوصيِّ، وبين الَّتي لا أبَ لَها ولا وصيَّ قالَه أصحاب مالكٍ، فقال ابن القاسم: البِكر الَّتي لا أبَ لَها لا يجوز قضاؤُها في مالِها وإن عُتِقَتْ، حتَّى يُدخَلَ بيتُها وتُرضَى حالُها.
          واختُلِف في حدِّ نفاسِها فقال ابن وهبٍ: ثلاثون إلى خمسٍ وثلاثين، وقال ابن القاسم: أربعون إلى خمسٍ وأربعين.
          وقال ابن الماجِشُون ومطرِّفٌ في اليتيمة لا أبَ لَها ولا وصيَّ تختلع مِنْ زوجِها بشيءٍ تهب لَه: الخلع ماضٍ، ويردُّ الزَّوجُ ما أخذ لأنَّه لا يجوز لَها عطاءٌ حتَّى تملك نفسَها ومالَها، وذَلِكَ بعد سنةٍ مِنِ ابتناء زوجِها بِها أو تلِدَ ولدًا.
          وخالف هذا سُحْنون فقال في البِكر تعطي زوجَها بعض مالِها وذَلِكَ قبل الدُّخول فيملِّكُها أمرَها، أو تباريْه بشيءٍ مِنْ مالِها فقال: إن كان لَها أبٌ أو وصيٌّ فلا يجوز ذلك ويلزم الزَّوجَ الطَّلاقُ ويردُّ عليها ما أخذ منْها، وإن كانت لا أبَ لَها ولا وصيَّ جاز ذلك، وهي عندي بمنزلة السَّفيه الَّذي لا وصيَّ لَه، أنَّ أمورَه جائزةٌ بيوعَه وصدقتَه وهبتَه ما لم يَحجر عليْه الإمامُ.
          تنبيهاتٌ
          أحدُها: في حديث ميمونة دِلالةٌ عَلَى أنَّ صِلة الأقارب وإغناءَ الفقراء أفضلُ مِنَ العِتق، وإن كان جاء في العِتق: أنَّهُ يُعْتِق لكلِّ عضوٍ منْه عضوًا مِنَ النَّار، وبِه تُجَاز العَقبة يوم القيامة.
          قال مالكٌ: الصَّدقة عَلَى الأقارب أفضلُ مِنَ العِتق.
          ثانيها وقع في رواية الأَصيليِّ: <أخواتك> بالتَّاء، قال عِياضٌ: ولعلَّهُ أصحُّ مِنْ رواية <أخوالك> بدليل رواية مالكٍ في «الموطَّأ»: ((أَعْطِيهَا أُخْتَكِ)).
          وقال النَّوويُّ: الجمع صحيحٌ ولا تعارُض، ويكون ◙ قال ذلك كلَّهُ.
          ثالثُها: عَلَى قول مالكٍ السَّالفِ لو تصدَّقت بأكثر مِنْ ثُلثِها، فذهب مالكٌ إلى بطلان الجميع، وقال المُغيرة: تُمضي قدر الثُّلث.
          واختُلف إذا قصدت الضَّرر في أقلَّ مِنَ الثُّلث هل تمضي أم لا؟ واختُلف أيضًا إذا تصدَّقت ثُمَّ تصدَّقت وقرب ما بينَهما وهما أكثرُ مِنَ الثُّلث إذا جُمعا، فقال أصبغُ: إن كان ما بينَهما يومٌ أو يومان بطلا جميعًا وإن طال مثلَ الشَّهرين مضت الأولى، وإن طال مثلَ السِّتَّة أشهرٍ صحَّتا جميعًا، وقيل: إذا كان بينَهما يومان وشبهُ ذلك صحَّ في الأولى، وقيل: إذا كان بينَهما كبيرٌ وإن طال صحَّت الأولى دون الثَّانية، وحَمل مالكٌ النَّهي عَلَى مجاوزة الثُّلث، وقد سلف.
          رابعُها قول أسماءَ: (مَا لِيَ مَالٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ) يعني ما صيَّرَه ملكًا لَها، فأمرَها ◙ أن تنفق ولم يَقل لَها بالمعروف لعلمِها بمرادِه، ويحتملُ أن يريد ما جعلَه الزُّبير تحت يدِها مِنْ مالِه، فإن كان كذلك فتنفق ما كان يجب على الزُّبير إنفاقَه مِنْ إعانة ملهوفٍ وإعطاء سائلٍ.
          ومعنى: (لاَ تُوعِي) لا تجعليه في الوِعاء فيدَّخرَه، ولا تنفقيه بجعلِه في الوعاء، ومنْه: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:18] فمادَّة الرِّزق متَّصلةٌ بالإنفاق ومنقطعةٌ بانقطاعِه، فلا تمنعي فضل الزَّاد تُحرَمي مادَّة الرِّزق.
          وكذا قولُه: (لَا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ) أي تحصي النَّفقة فيُحصي الله بقطع البركة، وقد يكون مرجع الإحصاء إلى المنافسة في الآخرة.
          خامسُها قال ابن التِّينِ: ليس في أحاديث الباب الَّتي ذكرَها البخاريُّ دِلالةٌ عَلَى جواز فعل المرأة في أكثرَ مِنْ ثلثِها. أمَّا قصَّة أسماءَ فسلف ما فيْها، وأمَّا قصَّة ميمونَة فقَالَ الدَّاوُديُّ: ليس فيْه أنَّها أكثر مِنْ ثلثِها. وأمَّا حديث سَوْدة وَهبتِها فليس مِنْ هذا في شيءٍ، وقد سلف ما في ذلك.
          سادسُها في حديث عائشة: القرعة، قال مالكٌ في «المدوَّنة»: يخرج مَنْ شاء منهنَّ في أيِّ الأسفار شاء، وقال ابن الجلَّاب: إن أراد سفرَ تجارة ففيْها روايتان: القرعة بينهُنَّ كالحجِّ والغزو، والأخرى: لا إقراع، قال: وإن أراد سفر حجٍّ أو غزوٍ فأقرع بينهُنَّ، ثُمَّ إذا انقضى سفرُه قضى لهنَّ وبدأ بِها أو بمَنْ شاء غيرها.
          قلت: لم يُنقل القضاءُ إذا عاد، والبداءة بغيرِهَا أحبُّ.