الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الفهم في العلم

          ░14▒ (بَابُ: الفَهْمِ فِي العِلْمِ): أي: فضل الفقه في المعلوم. ولما كان العلم لا يتم إلا بالفهم نفى صلعم العلم عمن لا فهم له حيث قال: (رب حامل فقه ليس بفقيه).
          والفهم: مصدر، بسكون الهاء وتحرك الهاء، قال في ((القاموس)): فهمه كفرح، فهماً، ويحرك وهي أفصح، وفهامة وفهامية: علمه وعرفه بالقلب، وهو فهم ككتف: سريع الفهم. انتهى.
          وقال الكرماني: فإن قلت: / قال الجوهري: فهمت الشيء: علمته، فالفهم والعلم بمعنى واحد، فكيف يصح أن يقال: (الفهم في العلم)؟ قلت: المراد من العلم: المعلوم، وكأنه قال: باب إدراك المعلومات. انتهى.
          واعترضه العيني: بأن تفسير (الفهم) بالعلم غير صحيح؛ لأن العلم: إدراك الكلي، والفهم: جودة الذهن، والذهن: قوة تقتنص بها الصور والمعاني وتشمل الإدراكات العقلية والحسية.
          وقال الليث: يقال: فهمت الشيء: عقلته وعرفته، فهذا قد فسر الفهم بالمعرفة وهو غير العلم. انتهى.
          وأقول: العقل والعلم والفهم والمعرفة بمعنى لغة، كما يعلم بمراجعة كلام اللغويين وحينئذٍ فتفسير (الفهم) بالعلم صحيح، وكذا تفسيره بالمعرفة الواقع في كلام الليث ولا مغايرة لغة، وحينئذٍ فيحتاج إلى اعتذار الكرماني. وأما اعتراض العيني: بأن تفسيره به غير صحيح؛ لأن العلم إدراك الكلي...إلخ فغير ظاهر؛ لأن هذا الفرق بينهما اصطلاحي على أن الحق _كما قاله بعضهم_ أن الفهم: استعمال تلك القوة. فتأمل وأنصف.