إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يرحم الله موسى لو كان صبر يقص علينا من أمرهما

          3401- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) المكِّيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ) بضمِّ الجيم مصغَّرًا، الكوفيُّ (قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا) بفتح النُّون وسكون الواو وتنوين الفاء، ابن فَضَالة _بفتح الفاء و(1)الضَّاد(2) المعجمة_ أبا(3) يزيد القاصَّ (البِكَالِيَّ) بكسر الموحَّدة وتخفيف اللَّام والكاف على الصَّواب، ونُقِل عن المهلَّب والصَّدفيِّ وأبي الحسن بن سراجٍ: نسبةً إلى بِكالٍ من حِمْير، وضبطه أكثر المحدِّثين _فيما قاله عياضٌ_ ”البَكَّاليُّ“ بفتح الموحَّدة وتشديد الكاف، قال: وكذا قيَّدناه عن أبي بحرٍ وابن أبي جعفرٍ، عن العذريِّ، وقاله(4) أبو ذرٍّ، نسبةً(5) إلى بَكال بن دُعْميٍّ (يَزْعُمُ: أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الخَضِرِ) الَّذي قصَّ الله عنهما في سورة الكهف (لَيْسَ هُو مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُو مُوسًى آخَرُ) يُسمَّى موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب، و«موسى» الثَّاني مُنَوَّنٌ للفرق (فَقَالَ) ابن عبَّاسٍ: (كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ) نَوفٌ(6) فيما زعم، قاله مبالغةً في الإنكار والزَّجر، وكان في شدَّة غضبه لا أنَّه يعتقد ذلك (حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟) أي: منهم (فَقَالَ) بحسب اعتقاده: (أَنَا) أعلم النَّاس، وهذا أبلغ من قوله في الرِّواية السَّابقة [خ¦3400]: «هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا» فإنَّه نفى هناك علمه، وفي هذه الرِّواية على البتِّ (فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ) فيقول نحو: الله أعلم (فَقَالَ) الله (لَهُ: بَلَى، لِي عَبْدٌ) هو خَضِرٌ (بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ) ملتقى بحري(7) فارس والرُّوم ممَّا يلي المشرق (هُو أَعْلَمُ مِنْكَ) أي: بشيءٍ مخصوصٍ (قَالَ) موسى: (أَيْ) أي: يا (رَبِّ، وَمَنْ لِي بِهِ؟) أي(8): ومن يتكفَّل لي برؤيته؟ (وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة: (أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِهِ؟) أي: وكيف يتهيَّأ لي أن أظفر به؟ (قَالَ)(9) تعالى: (تَأْخُذُ حُوتًا) مملوحًا (فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقيَّة، زنبيلٍ (حَيْثُمَا فَقَدْتَ الحُوتَ) بفتح القاف (فَهْوَ) أي: الخضر (ثَمَّ) بفتح المثلَّثة وتشديد الميم (وَرُبَّمَا قَالَ: فَهْو ثَمَّهْ) بزيادة هاء السَّكت السَّاكنة، أي: هناك(10) (وَأَخَذَ) _بالواو_ موسى (حُوتًا) مملوحًا (فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ) كما أُمِر(11) (ثُمَّ انْطَلَقَ هُو وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ) بالصَّرف؛ كـ «نوحٍ» (حَتَّى أَتَيَا) ولأبي ذرٍّ‼: ”حتَّى إذا أتيا“ (الصَّخْرَةَ) الَّتي عند ساحل مجمع البحرين، ويُقال: ثمَّة عينٌ تُسمَّى بعين الحياة (وَضَعَا رُؤُوْسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى وَاضْطَرَبَ الحُوتُ) أي: تحرَّك لأنَّه أَصابه من ماء عين الحياة (فَخَرَجَ) من المكتل (فَسَقَطَ فِي البَحْرِ، {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ}) طريقه ({فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}[الكهف:61]) مسلكًا (فَأَمْسَكَ اللهُ) ╡ (عَنِ الحُوتِ جِرْيَةَ المَاءِ، فَصَارَ) عليه (مِثْلَ الطَّاقِ) وفي نسخةٍ: ”في مثل الطَّاق“ (فَقَالَ: هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ) أي: مثل عقد البناء، قال الكِرمانيُّ: معجزةً لموسى والخضر (فَانْطَلَقَا) موسى وفتاه (يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا) بنصب «اليومَ»(12) (حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الغَدِ {قَالَ}) موسى ({لِفَتَاهُ}) يوشع: ({آتِنَا غَدَاءنَا}) طعامنا الَّذي نأكله أوَّل النَّهار ({لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}[الكهف:62]) تعبًا (وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ) تعالى ({قَالَ} لَهُ فَتَاهُ) يوشع: ({أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى (13) الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}) أن أخبرك بحياته وانتضاب الماء مثل الطَّاق وغيره ({وَمَا أَنسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}) لما بهر العقل من عظيم القدرة ({وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا}) سبيلًا ({عَجَبًا}[الكهف:63]) مفعولٌ ثانٍ لـ «اتَّخذ»، وهو كونه كالسَّرب (فَكَانَ لِلْحُوتِ) أي: لدخول الحوت في الماء (سَرَبًا) مسلكًا (وَلَهُمَا) لموسى وفتاه (عَجَبًا) فإنَّه جمد الماء، أو صار صخرًا ({قَالَ} لَهُ مُوسَى: {ذَلِكَ}) الَّذي ذكرته ({مَا كُنَّا نَبْغٍ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا}) يقصَّان ({قَصَصًا}[الكهف:64]) أي(14): (رَجَعَا) في الطَّريق الَّذي جاءا فيه (يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا) قصصًا، أي: يتَّبعان آثار(15) مسيرهما اتَّباعًا (حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ) فذهبا يلتمسان الخضر (فَإِذَا رَجُلٌ) نائمٌ (مُسَجًّى بِثَوْبٍ) أي: مغطًّى كلُّه به (فَسَلَّمَ مُوسَى) / أي: عليه (فَرَدَّ عَلَيْهِ) الخضر السَّلام (فَقَالَ) أي: الخضر: (وَأَنَّى) وكيف (بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟) وفي روايةٍ: «وهل بأرضي من سلام؟» [خ¦4726] قال الخضر: من أنت؟ (قَالَ: أَنَا مُوسَى قَالَ) الخضر: (مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ) موسى بني إسرائيل، قال: ما شأنك؟ قال: (أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا) مفعولٌ ثانٍ لـ «تعلِّمني»، ولم يُرِد أن يعلِّمه شيئًا من أمر الدِّين؛ إذ الأنبياء لا يجهلون ما يتعلَّق بدينهم الَّذي تُعبِّدت به أمَّتهم(16) (قَالَ: يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ(17) اللهِ، عَلَّمَنِيهِ اللهُ لَا تَعْلَمُهُ) جميعه (وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ(18) اللهُ لَا أَعْلَمُهُ) جميعه. وهذا التَّقدير واجبٌ دافعٌ لمن استدلَّ بقوله: «إنِّي على علمٍ...» إلى آخره، بأنَّ نبَّينا صلعم اختصَّ بجمع الشَّريعة والحقيقة، ولم يكن لغيره من الأنبياء إلَّا أحدهما، لأنَّه يلزم منه خلوُّ بعض أولي العزم غير نبيِّنا من الحقيقة، وإخلاء الخضر عن علم الشَّريعة، ولا يخفى ما فيه، ويأتي _إن شاء الله تعالى_ مزيدٌ لذلك في «سورة الكهف» من «التَّفسير» [خ¦4725]، ولا ريب أنَّ العالم بالعلم الخاصِّ لا يكون أعلم ممَّن له العلم العامُّ(19)؛ وهو حكم الشَّرائع والتَّكاليف، فإنَّ ضرورة النَّاس تدعوهم إلى ذلك.
          (قَالَ) موسى للخضر‼: ({هَلْ أَتَّبِعُكَ}؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}) لأنَّ موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشَّرع ({وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}[الكهف:66-68]) أي: وكيف تصبر وأنت نبيٌّ على ما أتولَّى من أمورٍ ظواهرها مناكير وبواطنها لم يُحِطْ بها خبرك، و{خُبْرًا} تمييزٌ أو مصدرٌ، لأنَّ {لَمْ تُحِطْ بِهِ} بمعنى: لم تُخبَره (إِلَى قَوْلِهِ: {أَمْرًا}) أي: ولا أعصي لك أمرًا، وفي «اليونينيَّة»: ”{أَمْرًا}“ بكسر الهمزة، وكانت مفتوحةً فكشطَهَا مصحِّحًا(20) عليها (فَانْطَلَقَا) موسى والخضر (يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ) ومعهما يوشع (فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، كَلَّمُوهُمْ) بغير فاءٍ (أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا) أي: أصحاب السَّفينة (الخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ) وموسى وفتاه (بِغَيْرِ نَوْلٍ) بفتح النُّون آخره لامٌ(21)، أجرةٍ (فَلَمَّا رَكِبَا) موسى والخضر (فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ) بضمِّ العين وحُكِي فتحها (فَوَقَعَ عَلْى حَرْفِ السَّفِيْنَةِ فَنَقَرَ فِي البَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ قَالَ لَهُ الخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ) أي: من معلومه (إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ) ولفظ النَّقص هنا ليس على ظاهره، وإنَّما معناه: إنَّ علمي وعلمك بالنِّسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر، فهو على التَّقريب إلى الأفهام (إِذْ أَخَذَ) الخضر (الفَأْسَ) بالهمز (فَنَزَعَ لَوْحًا) من ألواح السَّفينة (فَلَمْ) وفي الفرع كأصله(22): ”قال: فلم“ (يَفْجَأْ مُوسَى) ◙ بعد أن صارت السَّفينة في لجَّة البحر (إِلَّا وَقَدْ قَلَعَ) الخضر (لَوْحًا) من السَّفينة (بِالقَدُّومِ) بفتح القاف وتشديد الدَّال في الفرع وأصله، وضبطه الصَّغانيُّ بالفتح والتَّخفيف (فَقَالَ لَهُ مُوسَى) منكرًا عليه بلسان الشَّرع: (مَا صَنَعْتَ؟!) هؤلاء (قَوْمٌ حَمَلُونَا) في سفينتهم (بِغَيْرِ نَوْلٍ) أي(23): أجرةٍ (عَمَدْتَ) بفتح الميم (إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) فإنَّ خَرْقها سببٌ لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها، وقال: {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} ولم يقل: لتغرقنا. قال السَّفاقسيُّ: فنسي نفسه واشتغل بغيره في حالةٍ يقول فيها المرء: نفسي نفسي، واللَّام في «لتغرق» للعلَّة أو للصَّيرورة ({لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}) عظيمًا ({قَالَ}) الخضر مذكِّرًا لموسى بما سبق من الشَّرط ({أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}) استفهامٌ على سبيل الإنكار ({قَالَ}) موسى للخضر: ({لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}) يعني: وصيَّته بألَّا يعترض عليه، وهو اعتذارٌ بالنِّسيان، أو أراد بالنِّسيان التَّرك، أي: لا تؤاخذني بما تركت ({وَلَا تُرْهِقْنِي}) أي: لا تغشني ({مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}[الكهف:71-73]) مفعولٌ ثانٍ لـ «ترهق» (فَكَانَتِ الأُولَى) وفي «الكهف» [خ¦4725]: قال _أي أُبيٌّ_ وقال رسول الله صلعم : «وكانت الأولى» (مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَلَمَّا خَرَجَا) أي: موسى والخضر (مِنَ البَحْرِ مَرُّوا) موسى والخضر ويوشع‼ (بِغُلَامٍ) وضيء الوجه، اسمه جَيْسُون بالجيم المفتوحة والتَّحتيَّة السَّاكنة والسِّين المهملة المضمومة وبعد الواو نونٌ (يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ، هَكَذَا _وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ) بن عيينة (بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كأنَّه يَقْطِفُ) بها (شَيْئًا_). /
          (فَقَالَ لَهُ مُوسَى) منكرًا عليه أشدَّ من الأولى: ({أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}) بتشديد الياء من غير ألفٍ، وهي قراءة ابن عامرٍ والكوفيِّين، أي: طاهرةً من الذَّنوب، قاله لأنَّه لم يرها أذنبت، أو صغيرةً لم تبلغ الحلم ({بِغَيْرِ نَفْسٍ}) متعلِّقٌ بـ «قتلت» ({لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}) منكرًا ({قَالَ}) الخضر لموسى ({أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا. قَالَ}) موسى: ({إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا}) بعد هذه المرة ({فَلَا تُصَاحِبْنِي}) وفارقني ({قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا}) متعلِّق بـ «بلغت»، و«لدني» بضمِّ الدَّال وتشديد النُّون، أدخلوا نون الوقاية على «لدن» لتقيها من الكسر، محافظةً على سكونها ({فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ أ}) أنطاكية أو غيرها ({اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا}) واستضافوهم ({فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا}) مفعولٌ به، و«استطعما» جواب «إذا»(24)، وتكرير «أهلها» قيل: للتَّأكيد، وقيل: للتَّأسيس ({فَوَجَدَا فِيهَا}) في القرية ({جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}) مفعول الإرادة، أي: (مَائِلًا) وهذا من مجاز كلام العرب، لأن الجدار لا إرادة له، فالمعنى: أنه دنا من السقوط (أَوْمَأَ) الخضر (بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ سُفْيَانُ) بن عيينة (كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ) بالضَّمِّ. قال عليُّ بن عبد الله المدينيُّ: (فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلًا إِلَّا مَرَّةً، قَالَ) موسى: (قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ) فاستطعمناهم واستضفناهم (فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ) بفتح الميم في «اليونينيَّة» ليس إلَّا (إِلَى حَائِطِهِمْ) المائل فأقمته ({لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ}) بهمزة وصلٍ وتشديد التَّاء وفتح الخاء، وهي قراءة غير المكِّيِّ والبصريِّ ({عَلَيْهِ أَجْرًا}) جُعلًا ({قَالَ}) الخضر: ({هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}) أي: الفراق الموعود بقوله: «فلا تصاحبني» أو الاعتراض الثَّالث، أو الوقت، أي(25): هذا الاعتراض سبب فراقنا، أو هذا الوقت وقته ({سَأُنَبِّئُكَ}) سأخبرك ({بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف:78]) لكونه مُنكَرًا من حيث الظَّاهر (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : وَدِدْنَا) بكسر الدَّال الأولى وسكون الثَّانية (أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ، فَقَصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”فقُصَّ“ بضمِّ القاف مبنيًّا للمفعول (قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة في روايته: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَو كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ) ولأبوي ذرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”لقصَّ“ (عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا) وفي «التَّفسير» [خ¦4725] من طريق الحميديِّ(26) عن سفيان: «وددنا أنَّ‼ موسى كان صبر حتَّى يقصَّ الله علينا من خبرهما» (قَالَ) في «التَّفسير»: قال(27) سعيد بن جبيرٍ _وسقط قوله: «قال» من(28) «اليونينيَّة» وثبت في فرعها_: (وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ▬أَمَامَهُمْ↨) بدل قراءة العامَّة: {وَرَاءهُم} (▬مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ↨) قال ابن المدينيِّ: (ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ) أي: من عمرِو بنِ دينارٍ (مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو) أي: ابن دينارٍ (أَو تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟) قال الكِرمانيُّ: الشَّكُّ من عليِّ بن عبد الله. يعني: قيل لسفيان: حفظته أو تحفَّظته من إنسانٍ قبل أن تسمعه من عمرٍو؟ (فَقَالَ) سفيان: (مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ؟ وَرَوَاهُ) أي: أَرَوَاه (أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟) فحذف(29) همزة الاستفهام (سَمِعْتُهُ مِنْهُ) من عمرٍو (مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ).
          وهذا الحديث سبق في «باب ما يستَحبُّ للعالم إذا سُئِل» [خ¦122] من(30) «كتاب العلم».


[1] «الفاء و»: ليس في (م).
[2] «والضاد»: ليس في (د).
[3] في (د): «أبو».
[4] في (د): «وقال».
[5] في (م): «ونسبه».
[6] في (ج) و(ل): «نوفًا».
[7] في (د): «بحر».
[8] «أي»: ليس في (د).
[9] زيد في غير (د) و(س): اسم الجلالة.
[10] في (د): «هنالك».
[11] في (د): «مرَّ».
[12] في (د): «الميم».
[13] «إلى»: سقط من (ب).
[14] «أي»: ليس في (د).
[15] في (د): «أثر».
[16] في (م): «أممهم».
[17] «علم»: سقط من (د).
[18] في (د) و(م): «علَّمك»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[19] في (م): «القاصر» ولعلَّه تحريفٌ.
[20] في (د): «تصحيحًا».
[21] «آخره لامٌ»: مثبتٌ من (م).
[22] في (د1) و(م): «وأصله».
[23] «أي»: مثبتٌ من (م).
[24] في (م): «إذ» وهو تحريفٌ.
[25] في (د) و(م): «أو».
[26] في (س): «الحميد» وهو تحريفٌ.
[27] في (م): «قاله» وهو تحريفٌ.
[28] في (د) و(م): «في».
[29] في غير (د) و(س): «فحذفت».
[30] في (د): «في» وهو تحريفٌ.