إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قوة كأبي زمعة

          3377- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) عبد الله بن الزُّبير قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْـَعَةَ) بفتح الميم وسكونها، الأسديِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ) يخطب (وَذَكَرَ) قصَّة قُدَار (الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ) ناقة صالحٍ، وذلك أنَّ ثمود بعد عادٍ عمَّروا بلادهم، وخلفوهم وكثروا، وعمَّروا أعمارًا طوالًا لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصبٍ وسعَةٍ، فعَتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا من أشرافهم، فأنذرهم فسألوه آيةً. فقال: أيَّة(1) آيةٍ تريدون؟ قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا، فمن استجيب له اتُّبِع، فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تُجِبهم، ثمَّ أشار سيِّدُهم جُنْدُعُ بن عمْرٍو إلى صخرٍة منفردةٍ، وقال له: أخرج من هذه الصَّخرة ناقةً سوداء حالكةً ذات عرفٍ وناصيةٍ ووبرٍ، وقيل: قال: ناقةً ذات / ألوانٍ، من أحمرَ ناصعٍ وأصفرَ فاقعٍ، وأسودَ حالكٍ، وأبيضَ يَقَـِقٍ♣، نظرها كالبرق الخاطف، رغاؤها كالرَّعد القاصف، طولها مئة ذراعٍ وعرضها كذلك، ذات ضروعٍ أربعة، نحلب منها ماءً وعسلًا ولبنًا وخمرًا، لها تبيعٌ على صفتها، حنينها بتوحيد إلهك والإقرار بنبوَّتك، فإن فَعَلَتْ صدَّقناك، فأخذ عليهم صالحٌ مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنَّن به(2)؟ فقالوا: نعم، فصلَّى ودعا ربَّه فتمخَّضت الصَّخرة تمخُّض النَّتوج بولدها، فانصدعت عن ناقةٍ كما وصفوا وهم(3) ينظرون، ثمَّ نتجت ولدًا مثلها في العِظَم، فآمن به جُنْدُع في جماعةٍ، ومَنَعَ الباقين من الإيمان دؤاب بن عمرٍو، والحُبَاب صاحب أوثانهم، ورباب ابن كاهنهم، فمكثت النَّاقة مع ولدها ترعى الشَّجر وتَرِدُ الماء غبًّا، فما ترفع رأسها من البئر حتَّى تشرب كلَّ ما فيها، ثمَّ(4) تتفحَّج فيحلبون ما شاؤوا حتَّى تمتلئ أوانيهم فيشربون‼ ويدَّخرون، وكانت(5) تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقَّ ذلك عليهم، فأجمعوا على عقرها (فَقَالَ) صلعم : (فانْتَدَبَ لَهَا) كذا في الفرع بالفاء فيهما، وفي «اليونينيَّة» قال: ”انتدب لها“ بغير فاءٍ فيهما، أي: أجاب إلى عقرها لمَّا دُعِي له (رَجُلٌ) منهم (ذُو عِزٍّ وَمَنَـْعَةٍ) بفتح الميم والنُّون وتسكَّن، قوَّة (فِي قُوَّةٍ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”في قومه“ بدل قوله: «في قوَّةٍ» (كَأَبِي زَمْـَعَةَ) الأسود بن المطلب بن أسد(6) بن عبد العزَّى، وهو جدُّ عبد الله بن زمعة بن الأسود راوي الحديث، ومات الأسود كافرًا، وكان ذا عزَّةٍ ومنعةٍ في قومه، كعاقر النَّاقة، وكان عاقر النَّاقة _فيما قاله السُّهيليُّ_ ولد زنى، أحمر أشقر أزرق قصيرًا، يُضرَب به المثل في الشُّؤم، فعقرها واقتسموا لحمها، فرقي سَقَبُها(7) جبلًا فرغا ثلاثًا، فقال صالحٌ لهم: أدرِكوا الفصيل عسى أن يُرفَع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه؛ إذ انفجَّت(8) الصَّخرة بعد رغائه فدخلها، فقال لهم صالحُ: تصبح وجوهكم غدًا مصفَّرةً، وبعد غدٍ محمرَّةً، واليوم الثَّالث مسوَّدةً، ثمَّ يصبِّحكم العذاب، فلمَّا رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين، ولمَّا كانت ضحوة اليوم الرَّابع تحنَّطوا وتكفَّنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحةٌ من السَّماء، فتقطَّعت قلوبهم، فهلكوا.
          وحديث الباب أخرجه أيضًا في «التَّفسير» [خ¦4942] و«الأدب» [خ¦6042] و«النِّكاح» [خ¦5204]، ومسلم في «صفة النَّار»، والترمذيُّ في «التفسير»، وكذا النَّسائيُّ، وابن ماجه في «النكاح».


[1] في (د): «أي».
[2] في (د): «بي».
[3] في (ل): «فهم».
[4] في (م): «حتَّى».
[5] في غير (د): «وكان».
[6] في (د): «الأسود»، وهو تحريفٌ.
[7] في (د): «سقيها» ولعلَّه تصحيفٌ.
[8] في (د) و(م): «إذ انفتحت».