الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب

          ░32▒ (باب: إذَا لَطَمَ المُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الغَضَب)
          قالَ الحافظُ: أي: لم يجب عليه قصاص، كما لو كان مِنْ أهل الذِّمَّة، وكأنَّه رمز بذلك إلى أنَّ المخالف يرى القصاص في اللَّطْمة، فلمَّا لم يقتصَّ النَّبيُّ صلعم للذِّمِّيِّ مِنَ المسلم دلَّ على أنَّه لا يجري القصاص، لكن ليس كلُّ الكوفيِّين يرى القصاص في اللَّطمة، فيختصُّ الإيراد بمن يقول منهم بذلك.
          قالَ العينيُّ: وفي «التَّوضيح»: هذه(1) المسألة إجماعيَّة، لأنَّ الكوفيِّين لا يرَون القصاص في اللَّطمة ولا الأدب، إلَّا أن يجرحه، ففيه الأَرْش. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: قال في «المجتبى»: ولا قود في جلد رأسٍ وبَدَنٍ ولحمِ خدٍّ وبطنٍ وظهر، ولا في لطمة ووكزة. انتهى.
          وهذا تصريح بأنَّه لا قصاص عندنا في اللَّطمة، والظَّاهر أنَّ وجهه أنَّه لا يتحقَّق المماثلة فيه، ففرقٌ بين لطمة ولطمة / ووَكْزَة ووكزة.
          وقد تقدَّم في (باب: إذا أصاب قوم مِنْ أجل...) إلى آخره قولُ البخاريِّ تعليقًا: (وأقاد أبو بكر وابن الزُّبير وعليٌّ مِنْ لطمة...) إلى آخره.
          قالَ الحافظُ في «شرحه»: قالَ ابنُ بطَّالٍ: جاء عن عثمان وخالد بن الوليد نحو قول أبي بكر، وهو قول الشَّعْبيِّ وطائفة مِنْ أهل الحديث، والمشهور عن مالك، هو قول الأكثر: لا قود في اللَّطمة إلَّا إن جَرحت ففيها حُكومة، والسَّبب فيه تعذُّر المماثلة لافتراق لطمَتي القويِّ والضَّعيف، فيجب التَّعزير بما يليق باللَّاطم، وقالَ ابن القيِّم: بالغَ بعضُ المتأخِّرين، فنقل الإجماعَ على عدم القَوَد في اللَّطمة والضَّرب، وإنَّما يجب التَّعزير، وذَهِلَ في ذلك... إلى آخر ما في «الفتح».
          وفي «الفيض»: ولا قِصَاص في اللَّطْمَةِ عندنا، نعم للقاضي أَنْ يُعَزِّرَ بما شاء، ثمَّ إِنَّه حُكْم القَضَاءِ، أمَّا الدِّيانة فمَنْ يدخل فيها. انتهى.
          قلت: والحافظ ابن القيِّم قد بسط الكلام على المسألة في «إعلام الموقِّعين» في فصلٍ مستقلٍّ، وفيه: قالت الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة ومتأخِّرو أصحاب أحمد: إنَّه لا قصاص في اللَّطمة والضَّربة، وإنَّما فيه التَّعزير، وحكى بعض المتأخِّرين في ذلك الإجماعَ.
          ثمَّ رجَّح الحافظُ ابن القيِّم أنَّ فيه القصاص، وقال: وهو منصوص الإمام أحمد، ومَنْ خالفه في ذلك مِنْ أصحابه فقد خرج عن نصِّ مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس والميزان، قال إبراهيم بن يعقوب الجَوزَجانيُّ في كتاب(2) «المترجم» له: باب: في القصاص مِنَ اللَّطمة والضَّربة؛ حدَّثني إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد بن حنبل عن القصاص مِنَ اللَّطمة والضَّربة، فقال: عليه القَوَد مِنَ اللَّطمة والضَّربة، وبه قال أبو داود، وقال إبراهيم الجَوزَجانيُّ: وبه أقول، ثمَّ ذكر الرِّوايات العديدة في تأييد القصاص، ثمَّ قالَ: وهذا ظاهر القرآن، وهو محض القياس، فعارض المانعون هذا كلَّه بشيء واحد، وقالوا: اللَّطمة والضَّربة لا يمكن فيهما المماثلة، والقصاص لا يكون إلَّا مع المماثلة، ثمَّ ردَّ على مسلك الجمهور أشدَّ الرَّدِّ، فارجع إليه لو شئت.
          وقد ظهر بذلك سخافة ما قال الشُّرَّاح في شرح ترجمة البخاريِّ هذه مِنْ أنْ ليس كلُّ الكوفيِّين يرى القصاص في اللَّطمة، فيختصُّ الإيراد بمن يقول منهم... إلى آخره، ولم يدرِ الشُّرَّاح أنَّ الحنفيَّة قاطبةً لم يقولوا بالقصاص في اللَّطمة، والتَّحقيق أنَّ هذا_أي القصاص في اللطمة_ مذهب الإمام أحمد، وخالف فيه الجمهور ومنهم الأئمَّة الثَّلاثة.


[1] في (المطبوع): ((وهذه)).
[2] في (المطبوع): ((كتابه)).