الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: المعدن جبار والبئر جبار

          ░28▒ (باب: المَعْدِنُ جُبَار...)
          قالَ الحافظُ ⌂ : كذا ترجم ببعض الخبر، وأفرد بعضه بعضًا، وترجم في الزَّكاة البقيَّة، وقد تقدَّم في كتاب الشَّرب مِنْ طريق أبي صالح عن أبي هريرة بتمامه، وبدأ فيه بالمعدن، وثنَّى بالبئر.
          قالَ العينيُّ: جُبَار_بضمِّ الجيم وتخفيف الموحَّدة_ أي: هدر لا شيء فيه، ومعنى (المعدن جُبار) أن يحفر معدنًا في مَوَات أو في ملكه فيهلك فيه الأجيرُ أو غيره ممَّن يمرُّ به فلا ضمان عليه في ذلك، وقوله: (والبئر جُبار) يعني: إذا احتُفر بئر للسَّبيل في مِلك أو موات فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها، ويقال: المراد بالبئر هنا العادية القديمة الَّتي لا يُعلم لها مالك، تكون في البادية، فيقع فيها إنسان أو دابَّة فلا شيء في ذلك على أحد. انتهى.
          وهكذا مِنَ(1) «الفتح»، وزاد: وأمَّا مَنْ حفر بئرًا في طريق المسلمين_وكذا في مِلك غيره بغير إذن_ فتلف بها إنسان، فإنَّه يجب ضمانه على عاقلة الحافر، والكفَّارة في ماله، وإن تلف بها غير آدميٍّ وجب ضمانه في مال الحافر، ويلتحق بالبئر كلُّ حفرة على التَّفصيل المذكور، قالَ ابنُ بطَّالٍ: وخالف الحنفيَّة في ذلك، فضَمَّنوا حافر البئر مطلقًا قياسًا على راكب الدَّابَّة، ولا قياس مع النَّصِّ. انتهى.
          قلت: النَّقل عن الحنفيَّة ليس بصحيح، فقال الإمام محمَّد في «موطَّئه» تحتَ حديثِ الباب: وبهذا نَأْخُذُ، والبِئْرُ والمَعْدِنُ: الرَّجلُ يستأذن(2) الرَّجلَ يحفر له بئرًا / ومعدنًا، فيسقط عليه، فيقتله، فذلك هَدَرٌ. انتهى.
          وفي «الهداية»: ومَنْ حفر بئرًا في طريق المسلمين أو وضع حجرًا فتلف بذلك إنسان، فدِيَتُه على عاقلته، والمراد بالطَّريق: الطَّريق في الأمصار دون الفيافي والصَّحارى، لأنَّه لا يمكن العدول عنه في الأمصار غالبًا دون الصَّحارى. انتهى.
          قلت: فلعلَّ هذه المسألة هو منشأ ما نَقل عن الحنفيَّة ابنُ بطَّالٍ، وحاصل مذهبنا: أنَّه لو حفر شخصٌ بئرًا في الأمصار في غير ملكه، [فتلف به إنسان فحينئذٍ تجب الدِّية عندنا، وأمَّا لو حفر في الفيافي والصَّحارى فلا دية عليه كما تقدَّم، وكذا لو حفر في ملكه] ولو في المصر لم يضمن كما في «الهداية» حيث قال: وكذا إن حفر في ملكه، يعني: كما إذا أمره الإمام، فحفر في طريق المسلمين لم يضمن ما تلف به، كذلك إذا حفره في ملكه وإن لم يأذن له الإمام لم يضمن. انتهى من «الهداية» مع زيادة مِنْ «هامش ه».
          وهذا الاختلاف في مسألة حفر البئر والمعدن، وأمَّا مسألة جرح العَجْماء فسيأتي الخلاف فيه في الباب الآتي.


[1] في (المطبوع): ((في)).
[2] في (المطبوع): ((يستأجر)) وقال في (المطبوع): في الأصل: ((يستأذن)) وهو تصحيف.