الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: لا يقتل المسلم بالكافر

          ░31▒ (باب: لا يُقْتَل المُسْلِمُ بالكَافِر)
          قالَ الحافظُ: عقَّب هذه التَّرجمة بالَّتي قبلها للإشارة إلى أنَّه لا يلزم مِنَ الوعيد الشَّديد على قتل الذِّمِّيِّ أن يقتصَّ مِنَ المسلم إذا قتله عمدًا، وللإشارة إلى أنَّ المسلم إذا كان لا يقتل بالكافر فليس له قتلُ كلِّ كافر، ويحرم(1) عليه قتلُ الذِّمِّيِّ والمعاهَد بغير استحقاق. انتهى.
          قلت: وما ذكر الحافظ بقوله: ((إنَّه للإشارة إلى أنَّه لا يلزم مِنَ الوعيد...)) إلى آخره، مبنيٌّ على مسلك الجمهور القائلين بأنَّ المسلم لا يُقتل بالذِّمِّيِّ خلافًا للحنفيَّة، كما سيأتي الاختلاف في ذلك، ثمَّ قالَ تحتَ حديثِ الباب: أمَّا تركُ قتل المسلم بالكافر فأخذَ به الجمهورُ، وخالف الحنفيَّةُ فقالوا: يُقتل المسلم بالذِّمِّيِّ إذا قَتله بغير استحقاق، ولا يُقتل بالمستأمِن، وعن الشَّعْبيِّ والنَّخَعيِّ: يُقتل باليهوديِّ والنَّصرانيِّ دون المجوسيِّ، واحتجُّوا بما وقع عند أبي داود عن عليٍّ: ((لا يُقتل مؤمنٌ بكافرٍ ولا ذو عهد في عهده))... إلى آخر ما بسطه مِنْ وجه استدلال الفريقين.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ مِنْ قِبل الحنفيَّة في شرح هذا الحديث: أي: لا يُقتل ذو عهد في عهده بكافرٍ، قالوا: وهو مِنْ عطفِ الخاصِّ على العامِّ، فيقتضي تخصيصَه، لأنَّ الكافر الَّذِي لا يُقتل به ذو العهد هو الحربيُّ دون المساوي له والأعلى، فلا يبقى مَنْ يُقتل به المعاهَد إلَّا الحربيَّ، فيجب أن يكون الكافر الَّذِي لا يُقتل به المسلم هو الحربيُّ لتسوية بين المعطوف والمعطوف عليه. وقالَ الطَّحاويُّ: لو كانت فيه دلالة على نفي قتل المسلم بالذِّمِّيِّ لكان وجه الكلام أن يقول: ولا ذي عهد في عهده، وإلَّا لكان لحنًا، والنَّبيُّ صلعم لا يلحن، فلمَّا لم يكن كذلك علمنا أنَّ ذا العهد هو المعنيُّ بالقصاص، وصار التَّقدير: لا يُقتل مؤمنٌ ولا ذمِّيٌّ ولا ذو عهدٍ في عهده بكافر، وتُعُقِّب بأنَّ الأصل عدمُ التَّقدير، والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة مستأنفة. انتهى.
          قلت: قال الجمهور: معنى الحديث: لا يُقتل مسلم بكافر قصاصًا، ولا يُقتل مَنْ له عهد ما دام في عهده باقيًا، فجعلوا قوله: (ولا ذو عهد) في جملة مستأنفة.


[1] في (المطبوع): ((كافر بل يحرم)).