الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين

          ░8▒ (باب: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظريْنِ)
          قالَ الحافظُ: ترجم بلفظ الخبر، وظاهره حجَّة لمَنْ قال: إنَّ الاختيار في أخذ الدِّية أو الاقتصاص راجع إلى أولياء المقتول، ولا يُشترط في ذلك رضا القاتل. انتهى.
          قالَ العينيُّ: واختلف العلماء في أخذ الدِّية مِنْ قاتل للعمد، فرُوي عن ابن المسيِّب والحسن وعطاء أنَّ وليَّ المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدِّية، وبه قالَ الأَوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق، وقال الثَّوريُّ والكوفيُّون: ليس له إذا كان عمدًا إلَّا القصاصُ، ولا يأخذ الدِّية إلَّا إذا رضي القاتل، وبه قالَ مالكٌ في المشهور عنه.
          قالَ الحافظُ: واستدلَّ بالحديث على أنَّ المخيَّر في القود / أو أخذ الدِّية هو الوليُّ، وهو قول الجمهور، وذهب مالك والثَّوريُّ وأبو حنيفة إلى أنَّ الخيار في القصاص أو الدِّية للقاتل، قالَ الطَّحاويُّ: والحجَّة لهم حديث أنس ╩ في قصَّة الرُّبيِّع عمَّتِه، فقالَ النَّبيُّ صلعم: ((كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ)) فإنَّه حكم بالقصاص ولم يخيِّر، ولو كان الخيار للوليِّ لأعلمهم النَّبيُّ ╧ ، فلمَّا حكم بالقصاص وجب أن يحمل عليه قوله: (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظريْنِ) أي: وليُّ المقتول مخيَّر بشرط أن يرضى الجاني أن يغرم الدِّية.
          ثمَّ قالَ الحافظُ: واستُدلَّ بالآية على أنَّ الواجب في قتل العمد القودُ، والدِّيةُ بدلٌ منه، وقيل: الواجب الخيار، وهما قولان للعلماء، وكذا في مذهب الشَّافعيِّ أصحُّهما الأوَّل. انتهى.
          قلت: وعن مالكٍ في هذه المسألة روايتان، ففي «الشَّرح الكبير» للدَّرْدِير: إنْ أتلفَ مكلَّفٌ معصومًا بإيمان أو أمان كالقاتل مِنْ غير المستحقِّ فالقَوَد عينًا، فليس للوليِّ أن يلزم الدِّية للجاني جبرًا، وإنَّما له أن يعفو مجَّانًا أو يقتصَّ، وجاز العفوُ على الدِّية أو أكثرَ أو أقلَّ منها برضا الجاني، وقال أشهب: له التَّخيير بين القود والعفو على الدِّية جبرًا، وهو ضعيف، قالَ الدُّسوقيُّ: والمذكور أوَّلًا هو مذهب ابن القاسم. انتهى.
          قلت: وكذا عن أحمد فيه روايتان، ففي «الشَّرح الكبير» في فروع الحنابلة: اختلفت الرِّواية عن أحمد في موجب العمد، فرُوي عنه أنَّ موجبه القصاص عينًا، قالوا: ليس للأولياء إلَّا القتل، إلَّا أن يصطلحا على الدِّية برضا الجاني، والمشهور في مذهب أحمد أنَّ الواجب أحد شيئين... إلى آخر ما قال.