الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلاة على النبي

          ░32▒ (باب: الصَّلاة على النَّبيِّ صلعم)
          هذا الإطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلَّها، والاقتصار على ما أورده في الباب يدلُّ على إرادة الثَّالث، وقد يُؤخَذ منه الثَّاني. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العينيُّ: أي: هذا باب في بيان كيفيَّة الصَّلاة على النَّبيِّ صلعم، وقال بعضهم: هذا الإطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلَّها، قلت: حديثا الباب يقيِّدان هذا الإطلاق لأنَّهما ينبِّئان عن الكيفيَّة، والمطابقة بين التَّرجمة والحديث مطلوبة، ولا تجيء المطابقة إلَّا بما قلنا. انتهى.
          قالَ الحافظُ: أمَّا حكمها فحاصل ما وقفت عليه مِنْ كلام العلماء فيه عشرة مذاهب:
          أولها: قول ابن جَرير الطَّبريِّ: إنَّها مِنَ المستحبَّات، وادَّعَى الإجماع على ذلك.
          ثانيها: مقابلُه، وهو نقلُ ابن القصَّار وغيرِه الإجماعَ على أنَّها تجب في الجملة بغير حصرٍ، لكنَّ أقلَّ ما يحصل به الإجزاءُ مرَّةٌ.
          ثالثها: تجب في العمر في صلاة أو في غيرها، وهي مثل كلمة التَّوحيد، قاله أبو بكر الرَّازيُّ مِنَ الحنفيَّة وابنُ حزم وغيرهما.
          رابعها: تجب في القعود آخر الصَّلاة بين قول التَّشهُّد وسلام التَّحلُّل، قاله الشَّافعيُّ ومَنْ تَبِعَهُ.
          خامسها: تجب في التَّشهُّد، وهو قول الشَّعبيِّ وإسحاقَ بن راهَوَيْهِ.
          سادسها: تجب في الصَّلاة مِنْ غير تعيين المحلِّ، نُقل ذلك عن أبي جعفر الباقر.
          سابعها: يجب الإكثار منها مِنْ غير تقييد بعَدَدٍ، قاله أبو بكر بن بكير مِنَ المالكيَّة.
          ثامنها: كلَّما ذَكر، قاله الطَّحاويُّ وجماعة مِنَ الحنفيَّة والحليميُّ وجماعة مِنَ الشَّافعيَّة، وقالَ ابنُ العربيِّ مِنَ المالكيَّة: إنَّه الأحوط، وكذا قالَ الزَّمَخْشَريُّ.
          تاسعها: في كلِّ مجلسٍ مرَّة، ولو تكرَّر ذكره مرارًا، حكاه الزَّمَخْشَريُّ.
          عاشرها: في كلِّ دعاء، حكاه أيضًا.
          وأمَّا محلُّها: فيُؤخَذ ممَّا أوردته مِنْ بيان الآراء في حُكمها.
          وبسط أيضًا الكلام في معنى الصَّلاة، وقال في بحث كيفيَّة الصَّلاة عليه صلعم: قالَ النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: ينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصَّحيحة فيقول: ((اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آل محمَّد وأزواجِه وذرِّيَّته، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك)) مثله، وزاد في آخره: ((في العالمين)) وقال في «الأذكار» مثله، وزاد: ((عبدك ورسولك)) بعد قوله: ((محمَّد)) في ((صَلِّ)) ولم يزدها في ((بارِكْ)) وقال في «التَّحقيق» و«الفتاوى» مثله إلَّا أنَّه أسقط ((النَّبيِّ الأمِّيِّ)) في ((وبارِكْ)) وفاتَه أشياءُ لعلَّها توازي قدْر ما زاده أو تزيد عليه، ثمَّ ذكرها الحافظ.
          قلت: قالَ النَّوويُّ في «الأذكار»: والأفضل أن يقول: ((اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ عبدِك ورسولِك النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آل محمَّد وأزواجه وذرِّيَّته، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آل محمَّد وأزواجه وذرِّيَّته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنَّك حميد مجيد)) رُوِّينا هذه الكيفيَّة في «صحيحَي البخاريِّ ومسلم» عن كَعْب بن عُجْرة مرفوعًا إلَّا بعضَها فهو صحح(1) مِنْ رواية غير كعب. انتهى.
          ثمَّ ما يُستشكل هاهنا في التَّشبيه بالصَّلاة الإبراهيمية أجاب عنه الحافظ بعشرة أوجه، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((صحيح)).