الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا بات طاهرا

          ░6▒ (باب: إذا بَاتَ طَاهَرًا وفَضْله)
          وقد ورد في هذا المعنى عدَّة أحاديث ليست على شرطه، منها حديث معاذ رفعه: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ وَطَهَارَةٍ فَيَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه)) أخرجه أبو داود والنَّسَائيُّ وابنُ ماجَهْ، وأخرجَه التِّرمِذيُّ مِنْ حديث أبي أُمامة نحوه، وأخرج ابن حِبَّان في «صحيحه» عن ابن عمر رفعه: ((مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ، فَلاَ يَسْتَيْقِظُ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلاَنٍ)).
          ثمَّ قالَ الحافظُ في شرح الحديث: قالَ النَّوويُّ: في الحديث ثلاث سُنن مهمَّة: إحداها: الوضوء عند النَّوم، وإن كان متوضأ (1)كفاه، لأنَّ المقصود النَّوم على طهارة. ثانيها: النَّوم على اليمين. ثالثها: الختم بذكر الله. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ الكَرْمانيُّ: وفيه استحباب الوضوء عند النَّوم ليكون أصدق لرؤياه وأبعد مِنْ تلاعب الشَّيطان به، وأمَّا كون النَّوم على الأيمن فلأنَّه أسرعُ إلى الانتباه. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: والأمر للنَّدب لئلَّا يأتيَه الموت بغتةً فيكون على هيئة كاملة، ثمَّ ذكر ما تقدَّم عن الكَرْمانيِّ.
          وقالَ الحافظُ: وأولى ما قيل في الحكمة في ردِّه صلعم على مَنْ قال: الرَّسول بدل النَّبيِّ أنَّ ألفاظ الأذكار توقيفيَّة ولها خصائصُ وأسرارٌ لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللَّفظ الَّذِي وردت به. انتهى.
          تنبيه: قلت: وما اشتُهر بينهم مِنْ كون النَّوم مستقبل القِبلة وعدُّوه مِنْ جملة الآداب المستحبَّة لم يتعرَّض له الشُّرَّاح هاهنا، ولا النَّوويُّ في «الأذكار» ولا الجَزَريُّ في «الحصن» ولا ابن القيِّم في «الهدي» ولا الزَّرقانيُّ في «شرح المواهب» ولا شارح «الإحياء»، وقد ترجم الإمام أبو داود في آخر «السُّنن» بقوله: باب: كيف يتوجَّه الرَّجل عند النَّوم؟ وأورد فيه عن أبي قِلابة عن بعض آل أمِّ سلمة قال: ((كان فِراش النَّبيِّ صلعم نحوًا ممَّا يوضع الإنسان في قبره، وكان المسجد عند رأسه)).
          وفي «هامشه» عن «فتح الودود»: قوله: ((نحوًا ممَّا يوضع الإنسان في قبره)) أي: على هيئة وضع الإنسان في القبر. انتهى.
          قال صاحب «عون المعبود»: وأورد السُّيوطيُّ هذا الحديث برواية المؤلِّف في «الجامع الصَّغير» بلفظ: ((نحوًا ممَّا يوضَع للإنسان(2) في قبره)). وقالَ العلَّامةُ العزيزيُّ في شرحه: ((ممَّا يوضع)) أي: مِنَ الفِراش الَّذِي يُفرَش للميِّت في قبره، وقد وُضع في قبره صلعم قطيفة حمراء كان فراشه للنَّوم نحوَها. انتهى.
          ولفظ حديث الكتاب وما قال في «فتح الودود» يناسب تبويب المؤلِّف، والله أعلم. انتهى.
          قلت: وتبويب الإمام أبي داود صريحٌ في أنَّه حملَ الحديث على بيان الهيئة، وأنَّه كان كهيئة الاضطجاع في القبر، فصار هذا الحديث أصلًا [للنَّوم مستقبِلَ القِبلة].


[1] في (المطبوع): ((متوضياً)).
[2] في (المطبوع): ((الإنسان)).