الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: لا هامة.

          ░53▒ (باب: لاَ هَامَةَ)
          قال أبو زيد: هي بالتَّشديد، وخالفه الجميع فخفَّفوها، وهو المحفوظ في الرِّواية، وكأنَّ مَنْ شَدَّدَها ذهب إلى أنَّها واحدة الهوامِّ وهي ذوات السُّموم، [وقيل: دوابُّ الأرض الَّتي تهمُّ بأذى النَّاس]، وهذا لا يصحُّ نفيُه إلَّا إن أُريدَ أنَّها لا تضرُّ لذواتها وإنَّما تضرُّ إذا أراد الله ذلك(1) [إيقاع الضَّرر بمن أصابته]، انتهى مِنَ «الفتح».
          وكتبَ الشَّيخُ في «البذل»: بتخفيف الميم على المشهور، ورجَّح القُرْطُبيُّ التَّشديد. انتهى.
          وقد تقدَّمت هذه التَّرجمة قبل سبعة أبواب، وذكر فيه أيضا الحديث المذكور مختصرًا، فهذا التَّكرار مُشْكِل. ولذا قالَ الحافظُ: وهذا مِنْ نوادر ما اتَّفق له أن يترجم للحديث في موضعين بلفظ واحد.
          فالأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ التَّرجمة وإن كانت مكرَّرة مِنْ حيثُ اللَّفظُ لكنْ ليست بمكرَّرة باعتبار المعنى والمقصود، وتقدَّم نظيره في كتاب العلم مِنْ (باب: فضل العلم) وذلك أنَّهم اختلفوا في تفسير الهامة، فكتب شيخُنا في «البذل»: فيه تأويلان: أحدهما: أنَّ العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي الطَّائر المعروف مِنْ طيرِ اللَّيل، قيل: هي البومة، كانوا إذا سقط على دار أحدهم رآها ناعية له بعينه أو بعض أهله، وهذا تفسير مالكٍ، والثَّاني: أنَّ العرب كانت تعتقد أنَّ روح الآدميِّ_ وقيل عظامه_ تنقلب هامةً يطير ويسمُّونها الصَّدى، وقيل: روح القتيل الَّذِي لا تُدرك بثأره يصير هامةً فيقول: اسقوني! فإذا أُدرك بثأره طارت، والثَّاني قول أكثر العلماء، قاله ابن رسلان. انتهى.
          وفي رواية لأبي داود: ((قلتُ: فَمَا الهَامَة؟ قال_أي عطاء_: يقولُ ناسٌ: الهامةُ الَّتي تَصْرُخُ(2) هامةُ النَّاس، وليست بهامَة الإنسانِ، إنما هي دابَّةٌ)). انتهى.
          قلت: فلعلَّ الإمام البخاريَّ ترجم بالهامة في موضعين إشارةً إلى هذين المعنيين، والمناسب للتَّرجمة الأولى التَّأويلُ الأوَّل، وحاصله أنَّه مِنْ أسباب النُّحوسة، ولذا ذكره الإمام البخاريُّ في أبواب التَّطيُّر والفَأْل، والمناسب لهذه التَّرجمة [الثَّانية] التَّأويل الثَّاني، ولذا أوردها في أبواب السِّحر، فإنَّ تغيُّر هامة الإنسان إلى الطَّيران نوعٌ مِنَ السِّحر.
          ثمَّ رأيت الحافظ أشار إلى نحو ما قلت حيث قال بعد ذكر الاختلاف في تفسير الهامة: ولعلَّ المؤلِّف ترجم (لا هامة) مرَّتين بالنَّظر لهذين التَّفسيرين، والله أعلم. انتهى.


[1] قوله: ((ذلك)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((تصرِّح)).