الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحمى من فيح جهنم

          ░28▒ (باب: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)
          قالَ الحافظُ: وسيأتي في آخر الباب (مِنْ فوح)_بالواو_ وتقدَّم في صفة النَّار بلفظ: (فور)_بالرَّاء بدل الحاء_ وكلُّها بمعنًى، والمراد: سطوعُ حرِّها ووهجُه، والحمَّى أنواع، واختُلف في نسبتها إلى جهنَّم، فقيل: حقيقة، واللَّهب الحاصل في جسم المحموم قطعةٌ مِنْ جهنَّم، وقدَّر اللهُ ظهورها بأسبابٍ تقتضيها ليعتبر العبادُ بذلك، كما أنَّ أنواع الفرح واللَّذة مِنْ نعيم الجنَّة أظهرَها في هذه الدَّار عبرةً ودلالة، وقيل: بل الخبر ورد مورد التَّشبيه، والمعنى أنَّ حرَّ الحمَّى شبيهٌ بحرِّ جهنم تنبيهًا للنُّفوس على شدَّة حرِّ النَّار، والأوَّل أولى، والله أعلم.
          ثمَّ بسط الحافظُ الكلام على شرح قوله: (فأطفئوها بالماء) وكذا بسط الكلام عليه في «الأوجز»، وذكر أيضا مختصرًا في «هامش اللَّامع».
          وقالَ العلَّامةُ السِّنْديُّ: قوله: (فأطفئوها بالماء...) إلى آخره، للحديث تأويلات كثيرة أشار المصنِّف إلى بعضها بحديث أسماء المذكور بعد ذلك، وقد سبق في الكتاب إشارة إلى أنَّ المراد بـ[الماء] بماء(1) زمزم، وممَّا يحتمله الحديث أن يكون كنايةً عن تغطية المحموم، والسَّعي في خروج العَرَق منه بما أمكن على أنَّ المراد بالماء العرق المعلوم أنَّه يُبْرِد الحمَّى، ويحتمل أن يكون كناية عن الاشتغال بما يستحقُّ به المحموم الرَّحمة مِنَ التَّصدُّق وغيره مِنْ أعمال البرِّ على أنَّ المراد بالماء ماءُ الرَّحمة المعارض لنار جهنَّم. انتهى مختصرًا.
          وقد وقع في سالف الزَّمان في بلدة (ميرته) وباءُ الحمَّى، وقد ضاع به رجال كثير، فعمل مولانا محمَّد قاسم النانوتي(2) نوَّر الله مرقده بهذا العلاج الغَسْلِ، فاشتفى به سبع مئة نفر، ولله درُّ مشايخنا! رحمهم الله ورضي عنهم، وممَّا يجب التَّنبيه عليه أنَّ العبرة في أمثال هذه الأمور لقوَّة الإيمان وشدَّة الاعتقاد، كما لا يخفى.


[1] في (المطبوع): ((ماء)).
[2] في (المطبوع): ((النانوتوي)).