الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب السحر

          ░50▒ (باب: السِّحْرِ)
          قالَ الحافظُ: كذا وقع هنا(1) للكثير وسقط لبعضهم، وعليه جرى ابن بطَّالٍ والإسماعيليُّ وغيرهما، وهو الصَّواب لأنَّ التَّرجمة قد تقدَّمت بعينها قبلُ ببابين، ولا يعهد ذلك للبخاريِّ إلَّا نادرًا عند بعض دون بعض. انتهى.
          قلت: ولا يبعد عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ أن يقال في دفع التَّكرار: إنَّ الغرض مِنَ التَّرجمتين مختلف، فالغرض مِنَ الأوَّل إثبات حقيقة السِّحر ردًّا على مَنْ أنكره كما تقدَّم، والغرض هاهنا ذكرُ أحكام السِّحر مِنْ جواز العلاج لإزالته بالدُّعاء وغيره، أو أشار إلى أنَّ إزالته بالدُّعاء أفضلُ مِنَ العلاج بالدَّواء، وسيأتي في كتاب الدَّعوات (باب: تكرير الدُّعاء) فذكر [فيه] حديث سِحره صلعم وأشار بذلك إلى أنَّه ينبغي للمسحور أن يكرِّر الدُّعاء، فقد كرَّر النَّبيُّ صلعم الدُّعاء له، فقد دعا ثمَّ دعا.
          ثمَّ اعلمْ أنَّه [قد] تقدَّم حكمُ تعليم السِّحر وتعلُّمه منعًا وجوازًا قبل بابين، وأمَّا حكمُ السَّاحر وبيان حدِّه فذكره الحافظ هاهنا تحتَ حديثِ الباب: فقال: واستُدلَّ(2) بهذا الحديث على أنَّ السَّاحر لا يُقتل حدًّا إذا كان له عهد، وأمَّا ما أخرجَه التِّرمِذيُّ: ((حَدُّ السَّاحرِ ضَرْبُهُ(3) بالسَّيْف)) ففي سنده ضعف، فلو ثبت لخُصَّ منه مَنْ له عهد، قالَ ابنُ بطَّالٍ: لا يُقْتَل ساحر أهل الكتاب عند مالكٍ والزُّهريِّ إلَّا أن يَقْتُل بسِحره فيُقْتَل، وهو قول أبي حنيفة والشَّافعيِّ، وعن مالك: إن أدخل بسحره ضررًا على مسلم لم يعاهد عليه نَقضَ العهدَ بذلك فيحلُّ قتلُه، وإنَّما لم يقتل النَّبيُّ صلعم لبيد بن الأعصم لأنَّه كان لا ينتقم لنفسه، قال: وعند مالكٍ أنَّ حُكمَ السَّاحر حكمُ الزِّنديق، فلا تُقبَل توبتُه ويُقتل حدًّا إذا ثبت عليه ذلك، وبه قال أحمد، وقالَ الشَّافعيُّ: لا يُقتل إلَّا إن اعترف أنَّه قَتل بسِحره فيُقتل به، وادَّعى أبو بكر الرَّازيُّ في «الأحكام» أنَّ الشَّافعيَّ تفرَّد بقوله: إنَّ السَّاحر يُقتل قصاصًا إذا اعترف أنَّه قَتله بسحره، والله تعالى أعلم. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((ههنا)).
[2] في (المطبوع): ((استدل)).
[3] في (المطبوع): ((ضربة)).