الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو

          ░17▒ (باب: مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ)
          كأنَّه أراد أنَّ الكيَّ جائزٌ للحاجة، وأنَّ الأولى تركُه إذا لم يتعيَّن، وأنَّه إذا جاز كان أعمَّ مِنْ أن يباشِر الشَّخصُ ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره، وعموم الجواز مأخوذ مِنْ نسبة الشِّفاء إليه. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: واختَلفت الرِّوايات في الكيِّ منعًا وجوازًا، وقد ترجم الإمام أبو داود في «سننه»: باب: في الكَيِّ، وذكر فيه حديثين: أحدهما عن عمران بن حُصين ☺ أنَّه قال: ((نَهَى رَسُولُ الله صلعم عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا(1))) وثانيهما حديث جابر: ((أن النَّبيَّ صلعم كَوَى سَعْدَ بنَ مُعَاذ مِنْ رمْيَة)) واختلفوا في الجمع بينهما كما بسط(2) في الشُّروح.
          قالَ الحافظُ: والنَّهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى لِما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل: إنه[_أي النَّهي_] خاصُّ بعمران، لأنَّه كان به الباسور، وكان موضعه خطرًا، فنهاه عن كيِّه.
          ثم قالَ الحافظُ: ولم أر في أثر صحيح أن النَّبيّ صلعم اكتوى، إلا أن القرطبي نسب إلى «كتاب أدب النفوس» للطبري: إنَّ النَّبيَّ صلعم اكتوى، وذكره الحليميُّ بلفظ: ((روي أنَّه اكتوى للجرح الَّذِي أصابه بأُحُد)) قلت: والثَّابت في الصَّحيح كما تقدَّم في غزوة أحد أنَّ فاطمة أحرقت حصيرًا فحشت به جرحه، وليس هذا الكيَّ المعهودَ، وجزم بن التِّين بأنَّه اكتوى، / وعكَسَه ابن القيِّم في «الهدي». انتهى.


[1] في (المطبوع): ((فما أفلحن ولا أنجحن)).
[2] في (المطبوع): ((بينهما والبسط)).