إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله

          1925- 1926- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) الإمام (عَنْ سُمَيٍّ) بضمِّ السين وفتح الميم وتشديد التَّحتيَّة (مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ) القرشيِّ (أَنَّهُ سَمِعَ) مولاه (أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) راهب قريش (قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي) عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزومٍ القرشيُّ المخزوميُّ ابن عمِّ عكرمة بن أبي جهل بن هشامٍ (حِينَ) ولأبي ذرٍّ: ”حتَّى“ (دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) هند بنت أبي(1) أميَّة.
          (ح) للتَّحويل: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”وحدَّثنا“ (أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ) بن الحكم ابن أبي العاص بن أميَّة بن عبد شمس بن قصيٍّ الأمويَّ القرشيَّ، وُلِد بعد الهجرة بسنتين، ولم يصحَّ له سماعٌ من النَّبيِّ صلعم ، وُلِّي الخلافة تسعة / أشهرٍ، وتُوفِّي في رمضان سنة خمسٍ وستِّين (أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ) أي: والحال أنَّه (جُنُبٌ مِنْ) جماع (أَهْلِهِ) وفي رواية يونس عن ابن شهابٍ عن عروة وأبي بكر بن عبد الرَّحمن عن عائشة قالت [خ¦1930]: كان يدركه الفجر في رمضان من غير حُلْمٍ، وللنَّسائيِّ عنها: من غير احتلامٍ، وفي لفظٍ له: كان يصبح جنبًا منِّي (ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ) بيانًا للجواز، وإلَّا فالأفضل الغسل قبل الفجر، والاحتلام يُطلَق على الإنزال، وقد يقع الإنزال من غير رؤية شيءٍ في المنام، وأرادت بالتَّقييد بالجماع من غير احتلامٍ المبالغةَ في الرَّدِّ على من زعم أنَّ فاعل ذلك عمدًا مفطرٌ.
          (وَقَالَ) ولابن عساكر: ”فقال“ (مَرْوَانُ) بن الحكم (لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ‼ بْنِ الحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللهِ؛ لَتُقَرِّعَنَّ) بفتح القاف وتشديد الرَّاء من التَّقريع؛ وهو التَّعنيف، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لتفْزِعنَّ“ بالفاء السَّاكنة والزَّاي المكسورة من الإفزاع، أي: لتخوِّفن (بِهَا) أي: بالمقالة المذكورة (أَبَا هُرَيْرَةَ) وذلك لأنَّ أبا هريرة كان يرى: أنَّ من أصبح جنبًا من جماعٍ لا يصحُّ صومه؛ لحديث الفضل بن عبَّاسٍ في «مسلمٍ»، وحديث أسامة في «النَّسائيِّ» عن النبي صلعم : «من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم»، وفي النَّسائيِّ عن أبي هريرة أنَّه قال: لا وربِّ هذا البيت ما أنا قلت: من أدركه الصُّبح وهو جنبٌ فلا يصوم، محمَّدٌ _وربِّ الكعبة_ قاله. (وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ) حاكمٌ(2) (عَلَى المَدِينَةِ) من قِبل معاوية بن أبي سفيان (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ) أي: فعل ما قاله مروان من تقريع أبي هريرة وتعنيفه، ممَّا كان يراه أبي (عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ) بعد ذلك (قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ) بأبي هريرة (بِذِي الحُلَيْفَةِ) ميقات أهل المدينة (وَكَانَتْ(3) لأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا) وللكُشْمِيْهَنِيِّ _كما قاله الحافظ ابن حجرٍ_: ”إنِّي أذكر“ بصيغة المضارع (وَلَوْلَا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ_كما في «الفتح»_: ”لم أذكر ذلك“ (فَذَكَرَ) عبد الرَّحمن له (قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) وفي رواية معمرٍ عن ابن شهابٍ: فتلوَّن وجه أبي هريرة (فَقَالَ: كَذَلِكَ) أي: الذي رأيته من كون من أدركه الفجرُ جنبًا لا يَصُمْ(4) (حَدَّثَنِي) بالإفراد (الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ) بما روى، والعهدة في ذلك عليه لا عليَّ، وفي رواية النَّسفيِّ عن البخاريِّ_كما قاله الحافظ ابن حجرٍ_: ”وهنَّ أعلم“ أي: أزواج النَّبيِّ صلعم ، وكذا في رواية مَعْمَرٍ، وفي رواية ابن جريجٍ: فقال أبو هريرة: أهما قالتاه؟ قال: نعم، قال: هما أعلم، وهذا يرجِّح رواية النَّسفيِّ. وزاد ابن جريجٍ في روايته: فرجع أبو هريرة عمَّا كان يقول في ذلك، وترك حديث الفضل وأسامة، ورآه منسوخًا، وفي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}[البقرة:187] دلالةٌ وإشارةٌ إليه، وحديث عائشة وأمِّ سلمة يُرجَّح على غيرهما لأنَّهما ترويان(5) ذلك عن مشاهدةٍ بخلاف غيرهما.
          وفي هذا الحديث(6) أربعةٌ من التَّابعين: أبو بكرٍ وأبوه والزُّهريُّ ومروان.
          (وَقَالَ هَمَّامٌ) هو ابن منبِّهٍ، ممَّا وصله أحمد وابن حبَّان (وَابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) قيل: هو سالمٌ، وقيل: عبد الله، وقيل: عبيد الله _بالتَّكبير والتَّصغير_ ممَّا وصله عبد الرَّزَّاق (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَأْمُرُ بِالفِطْرِ) ولابن عساكر: ”يأمرنا بالفطر“ قال المؤلِّف: (وَالأَوَّلُ) أي: حديث عائشة‼ وأمِّ سلمة (أَسْنَدُ) أي: أظهر اتِّصالًا، وقال في «الفتح»: أقوى إسنادًا من حيث الرُّجحان لأنَّه جاء عنهما من طرقٍ كثيرةٍ جدًّا بمعنًى واحدٍ، حتَّى قال ابن عبد البرِّ: إنَّه صحَّ وتواتر، وأمَّا أبو هريرة فأكثر الرِّوايات عنه أنَّه كان يفتي به، ولم يسمع ذلك من النَّبيِّ صلعم إنَّما سمعه عنه بواسطة الفضل وأسامة، وأمَّا حلفه أَنَّ النَّبيِّ صلعم قاله _كما مرَّ_ فكأنَّه لشدَّة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك، وقد رجع عن ذلك.


[1] «أبي»: سقط من (ب).
[2] في (ص) و(م): «حاكمًا».
[3] في (ص): «وكان» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[4] في (ب) و(س): «يصوم».
[5] في (د): «يرويان».
[6] في (د): «وهذا الحديث فيه».