إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تسحروا فإن في السحور بركةً

          1923- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ) بكسر الهمزة وتخفيف الياء قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ) بضمِّ الصَّاد المهملة وفتح الهاء، مُصغَّرًا (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) ولابن عساكر: ”رسول الله“ ( صلعم : تَسَحَّرُوا) هو «تفعُّلٌ» من السَّحر؛ وهو قُبيل الصُّبح، وقال في «الرَّوضة» كـ «أصلها»: ويدخل وقته بنصف اللَّيل، قال السُّبكيُّ: وفيه نظرٌ لأنَّ السَّحَر لغةً: قُبيل الفجر، ومن ثمَّ خصَّه ابن أبي الصَّيف اليمنيُّ بالسُّدس الأخير، والمراد: الأكل في ذلك الوقت، وذلك على معنى: أنَّ التَّفعُّل هنا في(1) الزَّمن المصوغ من لفظه، فإنَّه من معاني «تفعَّل» كما ذكره ابن مالكٍ في «التَّسهيل»، أو الأخذ في الأمر شيئًا فشيئًا، ويحصل السَّحور بقليل المطعوم وكثيره، والأمر به(2) للنَّدب (فَإِنَّ فِي السَّحُورِ) بفتح السِّين: اسمٌ(3) لِمَا يتسحَّر به، وبالضَّمِّ: الفعل (بَرَكَةً) بالنَّصب(4): اسم «إنَّ»، وفي معنى كونه بركةً وجوهٌ: أن يبارك في اليسير منه بحيث يحصل(5) به الإعانة على الصَّوم‼، وفي حديث عليٍّ عند ابن عديٍّ مرفوعًا: «تسحَّروا ولو بشربةٍ من ماءٍ» زاد في حديث أبي أمامة عند الطَّبرانيِّ مرفوعًا: «ولو بتمرةٍ، ولو بحبَّات زبيبٍ...» الحديثَ. ويكون ذلك بالخاصيَّة كما بُورِك في الثَّريد والاجتماع على الطَّعام، أو المرادُ بالبركة نفيُ التَّبعة(6)، وفي حديث أبي هريرة ممَّا ذكره(7) في «الفردوس»: «ثلاثةٌ لا يُحاسَب عليها العبد: أكلة السَّحَر(8)، وما أفطر عليه، وما أكل مع الإخوان»، أو المراد بها: التَّقوِّي على الصِّيام وغيره من أعمال النَّهار، وفي حديث جابر عند ابن ماجه والحاكم مرفوعًا: «استعينوا بطعام السَّحر على صيام النَّهار، وبالقيلولة على قيام اللَّيل» ويحصل به النَّشاط ومدافعة سوء الخُلُق الذي يثيره الجوع، أو المراد بها: الأمور الأخرويَّة؛ فإنَّ إقامة السُّنَّة توجب الأجر وزيادةً، وقال القاضي عياضٌ: قد تكون هذه البركة ما يتَّفق للمتسحِّر من ذكرٍ أو صلاةٍ أو استغفارٍ، وغير ذلك من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسَّحور لكان الإنسان نائمًا عنها وتاركًا لها، وتجديد النِّيَّة للصَّوم؛ ليخرج من خلاف من أوجب تجديدها إذا نام بعدها، وقال ابن دقيق العيد: وممَّا يُعلَّل به استحباب السُّحور المخالفةُ لأهل الكتاب؛ لأنَّه ممتنعٌ عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية للزِّيادة في الأجور الأخرويَّة.
          تنبيهٌ: إن قلنا: إنَّ المرادَ بالبركة الأجرُ والثَّواب، فالسُّحور بالضَّمِّ لأنَّه مصدرٌ بمعنى التَّسحُّر، وإن قلنا: التَّقوية فبالفتح(9).
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه.


[1] في (د): «من».
[2] في (د): «فيه».
[3] «اسمٌ»: ليس في (م).
[4] في (ص) و(م): «نصب».
[5] في غير (د): «تحصل».
[6] في (د1) و(ص) و(م) و(ج): «التَّبعيَّة».
[7] في (د) و(د1) و(م): «ذُكِر».
[8] في (ب) و(س): «السَّحور».
[9] في (ص) و(م): «فالفتح».