التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صلاة النوافل جماعة

          ░36▒ بَابُ صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً.
          ذكره أنسٌ وعائِشَةٌ، عن النَّبيِّ صلعم.
          1185- 1186- حديث أنسٍ سلف مسندًا في باب الصَّلاة على الحصير. وحديث عائشة سلف في الكسوف. ثمَّ ذكر فيه حديث محمود بن الرَّبَيْعِ: أنَّه (عَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا رسول الله صلعم فِيْ وَجْهِهِ...) إلى آخرِه.
          وفيه: (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا)، وقد سلَف / في كتاب العلم، وباب: المساجد في البيوت. وهو كما ترجم له مِن جواز الجماعة في النَّافلة. قال ابن حبيبٍ: لا باس أن يؤمَّ النفر في النَّافلة في صلاة الضُّحَى وغيرها كالرجلين والثلاثة، وأمَّا أن يكون مشتهرًا جدًا، ويجتمعَ له الناس فلا. قاله مالكٌ. واستثنى ابن حبيبٍ قيام رمضان لِمَا في ذلك مِن سُنَّة أصحاب محمَّد صلعم. ولنذكر هنا مِن فوائده فوق الخمسين فائدة، فقد طال العهد به:
          إحداها: أنَّ مَن عَقَل رسولَ الله صلعم، وعَقَل منه فعلًا يُعدُّ صحابيًّا.
          ثانيها: ما كان عليه صلعم مِن الرحمة لأولاد المؤمنين، وفعل ذلك ليعقل عنه الغلمان، وتُعَدَّ لهم به الصحبة لينالوا فضلَها، وناهيك بها.
          ثالثها: استئلافه لآبائهم بمزحهِ مع بنيهم.
          رابعها: مزحه ليكرم به مَن يمازحه.
          خامسها: استراحته في بعض الأوقات ليستعين على العبادة في وقتها.
          سادسها: إعطاء النفس حقَّها، ولا يشقُّ عليها في كلِّ الأوقات.
          سابعها: اتخاذ الدَّلو.
          ثامنها: أخذ الماء بالفم منه.
          تاسعها: إلقاء الماء في وجه الطفل.
          عاشرها: صلاة القبائل الذين حول المدينة في مساجدهم المكتوبةَ وغيرَها.
          الحادية عشرة: إمامة الضعيف البصر. والتخلُّف عن المسجد في الطين والظلمة. وصلاة المرء المكتوبة وغيرها في بيته. وسؤال الكبير إتيانه إلى بيته ليتَّخذ مكان صلاته مُصلَّى. وذِكرُ المرء ما فيه مِن العِلل معتذرًا، ولا تكون شكوى فيه. وإجابة الشَّارع مَن سأله. وسير الأتباع مع التابع. وصحبة أفضل الصَّحابة إيَّاه. وتسميته لأبي بكرٍ وحْدَه لفضله. وأنَّ صاحب البيت أعلم بأماكن بيته فهو أدرى به.
          الحادية بعد العشرين: التبرُّك بآثار الصالحين. وطلب العين تقديمًا على الاجتهاد، فإنَّ كلَّ موضعٍ صلَّى فيه الشَّارع فهو عينٌ لا يجتهد فيه. وطلب الصَّلاة في موضعٍ معيِّنٍ لتقوم صلاته فيه مقام الجماعة ببركة مَن صلَّى فيه. وتركُ التَّطلع في نواحي البيت. وصلاة النَّافلة جماعة في البيوت. وفضل موضع صلاته صلعم. وأنَّ نوافل النهار تُصلَّى ركعتين كاللَّيل. وأنَّ المكان المتَّخَذ مسجدًا مِلكُه باقٍ عليه. وأنَّ النهي أن يوطِّن الرجل مكانًا للصلاة إنَّما هو في المساجد دون البيوت. وصلاة الضُّحَى.
          الحادية بعد الثلاثين: صنع الطعام للكبير عند إتيانه لهم، وإن لم يعلم بذلك. وعدم التكلُّفِ فيما يصنع، فكان لا يَعيب طعامًا، وهو أَدْوم على فعل الخيرات. و«الخزير» بالخاء والزاي المعجمتين: طعام يُتَّخذ مِن دقيقٍ ولحمٍ كما ذكر الخطَّابيُّ. قال الجوهريُّ: يقطع اللحم صغارًا على ما في القِدْر، فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، وإن لم يكن لحمًا فهو عَصِيدة.
          وقال ابن فارسٍ: هي دقيقٌ مُلبكٌ بشحمٍ أي: يُخلط بشحمٍ، كانت العرب تُعيِّر به.
          وقال أبو الهيثم: إذا كان مِن دقيقٍ فهي حَرِيرة، وإن كان نخالةً فهي خزيرة. والاكتفاء بالإشارة. ويجوز أن يكون تلفَّظَ به معها. وأنَّه يُعبَّر بالدار عن المحلَّة التي فيها الدور، ومثله في الحديث: ((خيرُ دور الأنصار بنو النَّجَّار...)) ثمَّ عدَّدَ جماعةً، وفي آخره: ((وفي كلِّ دور الأنصار خيرٌ)). وكذا حديث: ((أمر ببناء المساجد في الدور، وتنظيفها)). أراد المحالَّ، وكذا قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف:145]. واجتماع القبيل إلى الموضع الذي يأتيه الكبير ليؤدوا حقَّه، ويأخذوا حظَّهم منه، وعَيْبُ مَن حضر على مَن تخلَّفَ ونسبتُه إلى أمر يُتَّهَم به، وهو مالكُ بن الدُّخْشم، شهد بدرًا واختُلف في شهوده العقبة، وظهر مِن حُسْنِ إسلامه ما ينفي عنه تُهمة النِّفاق. وكراهية مَن يميل إلى المنافقين في حديثه ومجالسته. وأنَّ مَن رمى مسلمًا بالنفاق لِمُجالَسَتِهِ لهم لا يعاقَب ولا يُقال له: أثمتَ. وأنَّ الشَّارع كان يأتيه الوحي ولا شكَّ فيه.
          الحادية بعد الأربعين: أنَّه لا يحبُّ اللهَ ورسولَه منافقٌ. وأنَّ الكبير إذا علم بصِحَّة اعتقاد مَن نُسِب إلى غيره يقول له: لا تقل ذلك. وأن مِن عِيْبَ بما يظهر منه لم يكن عيبةً.
          وأنَّ مَن تلفَّظ بالشهادتين واعتقد حقيقة ما جاء به مات على ذلك فاز ودخل الجنَّةَ، وأصابه بذنوبه سَفْعٌ منها. وإخبار مَنْ سمعَ الحديث مَن صاحَبَ صاحبًا مثله وغيره لِيثبِّت ما سمع ويشهد ما عند الذي يُخبِرُه مِنْ ذلك. وإنكارُ مَن روى حديثًا مِن غير أن يقطع بنفيه، وقيل: إنَّ الإنكار لأنَّ ظاهره تحريم دخول النَّار على مَن قال: لا إله إلا الله، كقول بعض أهل الأهواء، وقيل: معنى التحريم هنا: تحريم الخلود في النَّار. وغزوُ أرض الرُّوم، وكان أبو أيُّوبَ تخلَّف عن الخروج مع يزيدَ قبل ذلك العام، ثمَّ ندم وقال: ما عَلَيَّ لو خرجت أقاتل على نفسي مِن الآخرة، ولكلِّ أحدٍ ما يحتسب. والمراجعةُ فإنَّ محمودَ بن الرَّبيع الأنصاريَّ أوجب على نفسه إن سلِم أن يأتي عِتْبَانَ فيسأله، وكان محمود مقيمًا بالشام، وذكر العمرة ليصفَ ما جرى وليتأسَّى به أن يجمع في طريقه العمرة والسَّفر إلى أبي أيُّوب والرحلة في العلم. وأنَّ ذكر ما في الإنسان على وجه التعريف ليس عَيبة لذكره عمى عِتْبَانَ.
          الحادية بعد الخمسين: إمامة الأعمى وجلب الحديث لصلاته بهم جماعة في النَّافلة. والإسرار بالنَّوافل، وفيه غير ذلك ممَّا سلف، فلا بدَّ لك مِن مراجعته.