التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المداومة على ركعتي الفجر

          ░22▒ بَابُ المُدَاوَمَةِ عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ.
          1159- ذكر فيه حديثَ عائِشَةَ قالت: (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم العِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا).
          هذا بعض طُرق عائِشَةَ في قيام اللَّيل.
          وفيه: تأكُّدُ ركعتَي الفجر، وأنَّهما مِن أشرف التَّطوُّع، لمواظبته عليهما وملازمتِه لهما، وعند المالكيَّةِ خلافٌ هل هي سُنَّةٌ أو مِن الرغائب؟ فالصحيح عندهم أنَّها سُنَّةٌ، وهو قول جماعةِ العلماء، وذهب الحسن البصريُّ إلى وجوبها، وهو شاذٌّ لا أصلَ له، قاله الدَّاوديُّ. ولم يثبت مِن عائشة هنا في الحضر ولا في السَّفر. والمراد (بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ): الأذانُ والإقامة، وهو وقتها.
          وقوله: (وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا) هذا فَعَلَه بعض الأحيان لبيان الجواز، وإلا فالمُستقرَأ مِن حالِه أن الوِترَ كان آخر صلاته، ففي مسلمٍ: ((كان يُصَلِّي مِن اللَّيل حتَّى تكون آخر صلاته الوتر))، فهو دالٌّ كما قال البيهقيُّ على تركهما بعد الوتر وقد ((أمر بأن نجعل آخر صلاتنا باللَّيل وترًا)) أخرجاه.
          فائدة: روى البيهقيُّ مِن حديث أبي غالبٍ عن أبي أُمامةَ أنَّه صلعم: ((كان يقرأ في هاتين الركعتين وهو جالسٌ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1]، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]))، وفي روايةٍ له عن أنسٍ مثلُه، وعن أنسٍ أيضًا: ((فقرأ فيهما بالرَّحمن والواقعة)).
          وترجم المَحامليُّ في «لُبابه»: باب: ركعتين بعد الوتر، ثمَّ قال: ويُصَلِّي بعد الوتر ركعتين قاعدًا متربِّعًا، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1]، وفي الثانية بعدها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، وإذا ركع وضع يديه على الأرض، ويَثنِي رِجليه كما يركع القائم ومثلُه في السجود يثني رجليه، وهو غريبٌ.
          فائدة: في فضل ركعتي الفجر سيأتي في البخاريِّ [خ¦1169] مِن حديث عائِشَةَ: ((لم يكن النَّبيُّ صلعم في شيء مِن النَّوافل أشدَّ تعاهدًا منه عليهما)).
          وصحَّ مِن حديثها: ((ركعتا الفجر خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها)) وفي لفظ: ((هُما أحبُّ إليَّ مِن الدُّنيا جميعًا)). وفي لفظ: ((ما رأيتُه في شيءٍ مِن النَّوافل أسرعَ منه إلى الرَّكعتين قبل الفجر)). ويروى: ((ولا إلى غنيمةٍ)). رواه ابن جُرَيجٍ عن عطاءٍ عن عُبَيد بن عُمَيرٍ عنها.
          وقال أبو هُرَيرةَ: لا تدع ركعتي الفجر ولو طَرَقتْك الخيلُ.
          وهذا رواه أحمدُ وأبو داودَ مرفوعًا عنه: ((لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طَرَدَتْكُم الخيل)).
          وقال عمر: هما أحبُّ إليَّ مِن حُمْرِ النَّعم. وقال إبراهيم: إذا صلَّى ركعتي الفجر ثمَّ مات أجزأه مِن صلاة الفجر.
          وقال عليٌّ: سألتُ رسول الله صلعم عن إدبار النُّجُوم قال: ((ركعتين بعد الفجر)). قال عليُّ: وإدبارُ السُّجُود؟ ((ركعتين بعد المغرب)). ورُوي مثله عن عُمَرَ وأبي هُرَيرةَ.
          فرع: اختلف العلماء في الوقت الذي يقضيها فيه مَن فاتَتْه، فأظهرُ أقوال الشافعيِّ: تُقضَى مؤبَّدًا ولو بعد الصبح. وهو قول عطاءٍ وطاوسٍ وروايةٌ عن ابن عُمَرَ، وأَبَى مالكٌ ذلك، ونقلَه ابن بطَّالٍ عن أكثر العلماء.
          وقالت طائفةٌ: يقضيهما بعد طلوع الشَّمس، رُوي ذلك عن ابن عُمَرَ والقاسم بن محمَّدٍ، وهو قول الأوزاعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثورٍ وروايةُ البُوَيطيِّ عن الشافعيِّ. وقال مالكٌ ومحمَّد بن الحسنِ: يقضيهما بعد الطلوع إنْ أحبَّ. وقال أبو حنيفةَ وأبو يوسفَ: لا يقضيهما مَن فاتته، وليسا بمنزلة الوِتر. /
          فرع: عند المالكيَّةِ من دخل المسجد وقد أصبح صلَّى ركعتي الفجر فقط. وقيل: بعد التحية، ولو ركع في بيته ففي ركوعه روايتان، ثمَّ في تعيينها قولان.
          فرع: مَن لم يُصَلِّهِما وأدرك الإمامَ في صلاة الصُّبح أو أُقيمت عليه فقالت طائفةٌ: لا صلاة إلَّا المكتوبة، ورُوي عن عُمَرَ وابنِه وأبي هُرَيرةَ، وبه قال الشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ.
          وفيه قولٌ ثانٍ: أنَّه يُصَلِّيهما في المسجد والإمام يُصَلِّي، رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ، وبه قال الثَّوريُّ والأوزاعيُّ، إلَّا أنَّهما قالا: إن خشي أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام، وإن طمع بإدراك الركعة الثانية صلَّاهما ثمَّ دخل مع الإمام، وقال أبو حنيفةَ مثله، إلَّا أنَّه قال: لا يركعُهُما في المسجد.
          وقال مالكٌ: إن دخل المسجد فلا يركعهما وليدخل معه في الصَّلاة، وإن كان خارج المسجد ولم يخَفْ أن يفوته الإمامُ بركعةٍ فليركعهما، وإن خاف أن تفوتَه الأولى فليدخُلْ وليصلِّ معه، ثم يُصَلِّيهما إن أحبَّ بعد طلوع الشَّمس.
          فرع: مَن ظنَّ أنَّ الفجر طلع فركعَهُما، ثم علِم أنَّه ركعهما قبل طلوعه أعادهما، ذكره في «المدوَّنة» وقال ابن الماجِشُون: لا يعيدهما، وذكره عن ربيعةَ والقاسمِ وسالمٍ، وإن لم يعلم هل كان طَلَعَ ففي «المدوَّنة»: أرجو أنْ لا بأس به، وقال أشهبُ: إذا ركعهما وهو لا يوقِن بالفجر لم تجزئاه.
          فرع: ثبت في «الصحيحين» _كما سيأتي_ مِن حديث أبي هُرَيرةَ ((أنَّه صلعم كان يخفِّفُهما حتَّى إنِّي لأقول: هل قرأ فيهما؟)) ومشهورُ مذهبِ مالكٍ أنَّه لا يقرأ فيهما إلَّا بأمِّ القرآن، وقيل: وسورةٍ قصيرةٍ. وقيل: {قُوْلُوْا ءَامَنَّا باللهِ} [البقرة:136] و{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران:64] وسيأتي ذلك في بابه واضحًا.