التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ترك القيام للمريض

          ░4▒ بَابُ تَرْكِ القِيَامِ لِلْمَرِيضِ.
          1124- 1125- ذَكَر فيه حديث الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا، يَقُولُ: (اشْتَكَى النَّبِيُّ صلعم، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً _أَوْ لَيْلَتَيْنِ_). وفي روايةٍ له: (احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صلعم عَلَى النَّبِيِّ صلعم، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ، فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى. وَاللَّيل إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضُّحَى:1-3]).
          الشرح: هذا الحديث يأتي في تفسير: {وَالضُّحَى} أيضًا.
          وقوله: (لَيْلَةً _أَوْ لَيْلَتَيْنِ_) هو شكٌّ مِن الراوي. وكان ذلك لأنَّه لم يكلَّف / إلَّا ما يطيق، قال تعالى: {قُمِ اللَّيل إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] {وَمِنَ اللَّيل فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء:79] والمريض يُكتَب له عملُه الذي يعمل في الصِّحَّة إذا غُلِب عليه. وسيأتي في الجهاد [خ¦2996] مِن حديث أبي موسى: ((إذا مرض العبد أو سافر يُكتَب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))، وفي حديث آخر: ((مَن كان له حظٌّ مِن العبادة، ومَنَعَهُ الله منها بمرضٍ، فإنَّ الله ╡ يتفضَّل عليه بهبةٍ ثوابها))، وفي آخَر: ((ما مِن عبدٍ يكون له صلاة يغلبه عليها نومٌ إلا كُتِب له أجرُ صلاتِهِ، وكان نومُه عليه صدقة)).
          ولَمَّا لم يَقُم صلعم وقتَ شَكواه، ولم تسمعْه المرأةُ يُصَلِّي حينئذٍ ظنَّت هذا الظنَّ. والقِصَّة واحدةٌ، رواها جُنْدبٌ. وقد رُوي أنَّ خديجةَ قالت لرسول الله صلعم حين أبطأ عنه الوحي: إنَّ ربَّكَ قد قَلَاك. فنزلت: {وَالضُّحَى} إلى قوله: {فَتَرْضَى} فأعطاه الله ألفَ قصرٍ في الجنَّةِ مِن لؤلؤ، ترابُها المسك، في كلِّ قصرٍ ما ينبغي له. ذكرَه بقيُّ بن مَخْلَدٍ في «تفسيره».
          وقد قيل في هذا الحديث: ((من لم يُرزَأ في جسمِه فليظنَّ أنَّ الله قد قَلاه))، لكن رُوي عنه صلعم أنَّه قال: ((لا يُحزِنْ أحدَكم أنْ لا يراني في منامه إذا كان طالبًا للعلم فله في ذلك العوض)). وقال ابن التِّين: ذِكرُ احتباس جبريلَ في هذا الباب ليس في موضعه. قال: وقولُ الكافرة: أبطَأَ عليه شيطانَه _يعني: جبريل_ ففيه ما كان يَلقَى مِن الأذى.
          وفيه: استعماله ما أُمِر به مِن الصبر، وما ذكره ماشٍ في الكافرة على ما رواه الحاكم مِن حديث زيد بن أرقمَ، أنَّ قائل ذلك امرأةُ أبي لهبٍ، فنزلت السورة. وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ، إلَّا أنِّي وجدت له علَّةً، فذَكَرها. وفي «تفسير سُنَيد بن داودَ»: أنَّ قائل ذلك عائشةٌ، وفيه نظرٌ لأنَّ السُّورة مكِّيَّةٌ بالاتفاق.
          وزعم أبو عبد الله محمَّد بن عليِّ بن عسكرٍ أن قائلةَ ذلك إحدى عمَّاته. وروى ابن جريرٍ عن جُندب بن عبد الله قالت إمرأةٌ مِن أهله _أو مِن قومه_: وُدِّعَ محمَّدٌ. ولابن إسحاقَ: أنَّ المشركين سألوا رسول الله صلعم عن الخضر وذي القرنين والروح، ((فوعدهم بالجواب إلى غدٍ، ولم يستثنِ))، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة، وقيل أكثرُ مِن ذلك، فقال المشركون: وَدَّعَهُ ربُّه، فنزل جبريل بالضُّحَى وقولِه: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ} [الكهف:23- 24].
          ومعنى (وَالضُّحَى) أي: وربِّ الضُّحَى. وقيل: إنَّه يقسم بما شاء مِن خلقه. و(سَجَى) سَكَن أو استوى أو جاء أو غطَّى كلَّ شيءٍ أو أظلَمَ أو ذهب، أقوالٌ، يقال: سَجَى يَسجُو إذا سَكَنَ، وإنَّما يسكُنُ إذا غطَّت ظُلمتُه. و(وَدَّعَكَ) مِن التَّوديع، ولا تُستعمل وَدَعَكَ إلَّا في قليلٍ مِن الكلام، ومَن قرأ بتشديد الدال يقول: ما هو آخر عهدك بالوحي. ومَن خفَّفَ يقول: ما تركك. والمعنى واحدٌ. وقال أبو عُبَيدة: التَّشديدُ مِن التَّوديع، والتخفيف مِن وَدَعَ يَدَعُ إذا سكن.
          و(قَلَى) يُقال: قَلَاه يقلِيه ويَقْلَاه قَلاءً وقِلًا إذا أبغضه إذا كَسَرْتَ قَصَرْتَ، وإذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ.