التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كيف كانَ صلاة النبي؟

          ░10▒ باب صَلَاةِ اللَّيلِ وكمْ كانَ النَّبيُّ صلعم يُصَلِّي باللَّيل؟
          1137- 1138- 1139- 1140- ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          أحدها: حديث ابن عُمَرَ: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيل؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ).
          ثانيها: حديث ابن عبَّاسٍ قال: (كَانَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ صلعم ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يعني: باللَّيل).
          ثالثها: حديث مَسروقٍ، عن عائِشَةَ: (أنَّ صَلاتَه ◙ باللَّيل: سَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتِي الفَجْرِ). طريق آخر: عَنِ القَاسِمِ بْنِ محمَّدٍ، عَنها: ((كَانَ النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي مِنَ اللَّيل ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الفَجْرِ)).
          الشرح: حديث ابن عُمَرَ تقدَّم في باب الوتر [خ¦990]، وعليه أكثرُ أهل العلم، وحديث ابن عبَّاسٍ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وكذا التِّرمذيُّ وصحَّحه. زاد أبو داودَ: ((منها ركعتا الفجر)). ورواية عن ابن عبَّاسٍ أبو جَمرَة _بالجيم والرَّاء_ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ. وحديث عائشة الأوَّل مِن أفراده، والثاني أخرجه مسلمٌ أيضًا، ورواه ابن نُمَيرٍ بلفظ: ((كانت صلاتُه عشر ركعاتٍ ويوتر بسجدةٍ، ويركَع ركعتي الفجر، فتلك ثلاثَ عشرة)). وشيخُ البخاريِّ في الطريق الأوَّل مِن حديث عائشة: إسحاق عن عبيد الله. قال الجيَّانيُّ: لم أجده منسوبًا لأحدٍ مِن رواة الكتاب، وذكر أبو نصر أنَّ إسحاق الحنظليَّ يروي عن عبيد الله بن موسى في «الجامع»، ويؤيد ذلك أنَّ أبا نُعيمٍ أخرجه كذلك، ثُمَّ قال في آخره: رواه _يعني: البخاريَّ_ عن إسحاق عن عبيد الله، وكذا ذكره الدِّمياطيُّ أنَّه ابن رَاهُوَيه، لكن الإسماعيليُّ رواه في «كتابه» عن إِسْحَاقَ بنُ سَيَّارٍ النَّصِيْبِيِّ عن عُبَيد الله، وإسحاق هذا صَدوقٌ ثقة كما قاله ابن أبي حاتمٍ، لكن ليس له روايةٌ في الكتب الستَّةِ، ولا ذَكَره البخاريُّ في «تاريخه الكبير» فتعيَّنَ أنَّه الأوَّل.
          وفيه أبو حَصِينٍ _بفتح أوَّله_ وهو عثمانُ بن عاصم بن حَصِينٍ، كوفيٌّ أسديٌ، مات سنة ثماني وعشرين ومائة. وشيخ البخاريِّ في الثاني عبيد الله بن موسى وهو العَبسيُّ، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، حدَّث عنه وعن رجلٍ عنه.
          إذا تقرَّر ذلك، فثلاث عشَرةَ مبنية على الفتح، وأجاز الفرَّاء سكونَ الشين مِن عَشْر.
          وقول ابن عبَّاسٍ: (ثَلاَثَ عَشْرَةَ) بيَّنه في مبيتِه عند خالته ميمونة: ((ركعتين ثمَّ ركعتين ثمَّ ركعتين ثمَّ ركعتين ثمَّ ركعتين ثمَّ أوتَر، ثمَّ اضطجَعَ حتَّى جاءه المؤذِّنُ، ثمَّ خرج فصلَّى الصُّبح))، وفي أخرى ذكرها ستَّ مرَّاتٍ ثمَّ أوتَر، ثمَّ اضطجع، ثمَّ ركع الفجر.
          وقول عائشةَ: (سَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتِي الفَجْرِ) تريدُ: ليلةً سبعًا، وأخرى تسعًا، وأخرى إحدى عشرة، وهو أكثرُ ما كان يُصَلِّي كما أخبرت به عائشة: ((ما زاد رسول الله صلعم في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة، يُصَلِّي أربعًا فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطُولهنَّ، ثمَّ يُصَلِّي أربعًا فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطُولهنَّ، ثمَّ يُصَلِّي ثلاثًا)) أخرجاه.
          ورُوي عنها: ((ثَلَاث عَشْرَةَ)) فيحتمل أنَّها نسيت رواية: ((إحدى عشرة))، أو أسقطت: ركعتي الفجر، أو وصفتْهُ بأكثر فعلِه وأغلبه. وفي «الموطَّأ» مِن حديث هشامٍ عن أبيه عنها: ((أنَّه كان يُصَلِّي ثلاث عشرة، ثمَّ يُصَلِّي إذا سمع نداء الصبح ركعتين)). وسندها لا شكَّ في صِحَّته، وقد أخرجها البخاريُّ في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر، عن عبد الله بن يوسفَ عن مالكٍ به، وقال: ((ركعتين خفيفتين)). فلعلَّ الثلاث عشرة بإثبات سُنَّةِ العشاء التي بعدَها، أو أنَّه عَدَّ الركعتين الخفيفتين عند الافتتاح، أو الركعتين بعد الوتر جالسًا، لكن رُوي في باب: قيام النَّبيِّ صلعم في رمضان وغيره، عن عبد الله بن يوسفَ عن مالكٍ عن سعيدٍ عن أبي سَلَمةَ أنَّه سأل عائِشَةَ فقالت: ((ما كان يزيد في رمضانَ ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)).
          ثمَّ اعلم أنَّه اختُلِف عن ابن عبَّاسٍ أيضًا: فروى مالك، عن مَخْرَمة بن سليمان عن كُريبٍ عنه: ((أنَّه صلَّى إحدى عشرة بالوتر)). وروى شريك بن أبي نَمِرٍ عن كُرَيبٍ، عنه: ((أنَّه صلَّى _أيضًا_ إحدى عشرة ركعة)). وعن سعيد بن جُبيرٍ عنه مثله. وروى المنهالُ بن عمرٍو عن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاسٍ عنه في مبيته: ((إحدى عشرة ركعة بالوتر)). أخرجه الطَّحاويُّ. ورُوي عن عائِشَةَ ما تقدَّم، وعنها: ((إحدى عشرة سوى ركعتي الفجر))، ورُوي عن زيد بن خالدٍ الجُهَنيِّ حين رمَق صلاته صلعم باللَّيل: ((ثلاث عشرة بالوتر)).
          وقد أكثر النَّاسُ القولَ في هذه الأحاديث، فقال بعضهم: إنَّ هذا الاختلاف جاء مِن قِبَل عائشة وابن عبَّاسٍ لأنَّ رواة هذه الأحاديث ثقاتٌ حُفَّاظٌ، وكلُّ ذلك قد عَمِلَ به الشَّارع ليدلَّ على التَّوسعة في ذلك، وأنَّ صلاة اللَّيل لا حدَّ فيها لا يجوز تجاوزه / إلى غيره، وكلٌّ سنَّةٌ.
          وقال آخرون: بل جاء الاختلافُ فيها مِن قِبَل الرُّواة، وإنَّ الصحيح منها: ((إحدى عشرة بالوتر)). وقد كشفت عائشةُ ♦ هذا المعنى، ورفعت الإشكال فيه بقولها: ((ما زاد على إحدى عشرة)). وهي أعلمُ الناس بأفعاله لشدِّة مراعاتها له، وهي أضبط مِن ابن عبَّاسٍ، لأنَّه إنَّما رَقَبَ صلاته مرَّةً حين بعثه العبَّاس ليحفَظَ صلاته باللَّيل، وعائشةُ رَقَبَتْ ذلك دهرَها كلَّه، فما رُوي عنها ممَّا خالف إحدى عشرة فهو وَهَمٌ، ويحتمل الغلطُ في ذلك أن يقع مِن أجل أنَّهم عدُّوا ركعتي الفجر مع الإحدى عشرة فتمَّت بذلك ثلاث عشرة، وقد جاء هذا المعنى بيِّنًا في طريق عبد الرزَّاق عن الثَّوريِّ عن سَلَمة بن كُهَيلٍ عن كُرَيبٍ عنه في مبيته عند ميمونة، وروى ابن وهبٍ مِن طريق عُروةَ، عن عائِشَةَ كذلك.
          فكلُّ ما خالف هذا عنها فهو وَهَمٌ، قالوا: ويدلُّ على صِحَّة ذلك قولُ ابن مسعودٍ للرجل الذي قال: قرأتُ المفصَّل في ركعة: هذًّا كَهَذِّ الشعر؟ لقد عرفتُ النظائرَ التي كان رسول الله صلعم يقرِن بينها. فَذَكَر عشرين سورةً مِن المفصَّلِ سورتين في كلِّ ركعة. فدلَّ هذا على أنَّ حزبَه باللَّيل عشرُ ركعات، ثمَّ يُوتر بواحدةٍ، قاله المهلَّب وأخوه عبد الله.
          وقال آخرون: الذي يأتلِفُ الأحاديثَ، وينفي التَّعارض عنها _والله أعلم_ أنَّه قد روى أبو هُرَيرةَ وعائشةُ، عن النَّبيِّ صلعم أنَّه كان إذا قام مِن اللَّيل يُصَلِّي افتتح صلاتَه بركعتين خفيفتين. فمَن عدَّهما جعَلَهَا ثلاث عشرة سوى ركعتي الفجر، ومَن أسقطهما جعلها إحدى عشرة، وأمَّا قول عائشة: إنَّ صلاته باللَّيل سبعٌ وتسعٌ، فقد روى الأسود أنَّها قالت: ((كان رسول الله صلعم يُصَلِّي مِن اللَّيل تسعَ ركعاتٍ، فلمَّا أسنَّ صلَّى سبع ركعاتٍ)). ورُوي عنها: أنَّه كان يُصَلِّي بعد السبعِ ركعتين وهو جالسٌ، وبعد التِّسعِ كذلك.
          قال المهلَّب: وإنَّما كان يوتر بتسعٍ _والله أعلم_ حين يُفاجِئُهُ الفجرُ، وأمَّا إذا اتَّسَع له فما كان يُنقِص عن عشر للمطابقة التي بينها وبين الفرائض التي امتَثَلَها صلعم في نوافله وامتثلها في الصلوات المسنونة. قال أبو عُمَر: وقد رُوي في هذا الخبر أنَّه: ((كان ◙ يسلِّمُ مِن كلِّ اثنتين مِن صلاته تلك))، ورُوي غير ذلك.
          وقوله: (صَلاَةُ اللَّيل مَثْنَى مَثْنَى) يقضي على كلِّ ما اختُلِف فيه مِن ذلك.
          ثمَّ ذكر حديثَ كُريبٍ عنه في مبيته. وفيه الاضطجاع بعد الوتر وقبل ركعتي الفجر، وعدَّها خمس عشرة. ثمَّ ذكر حديث مالكٍ عن مَخْرَمة بن بُكَيرٍ عن كُرَيبٍ، وفيه: خمس عشرة.
          قال: ولم يُختَلَف عن مالكٍ في إسناده ومتنه، وأكثرُ ما رُوي عنه في ركوعه في صلاة اللَّيل ما رُوي عنه في هذا الخبر عن ابن عبَّاسٍ، وليس في عدد الركعات مِن صلاة اللَّيل حدٌّ محدود عند أحدٍ مِن أهل العلم، وإنَّما: الصَّلاة خيرٌ موضوعٌ.
          وقال الطَّرْقيُّ: اختلف الرواة على أبي سَلَمةَ في حديث: ((ما زَادَ...)) فلفظ الْمَقْبُرِيِّ ما سلف، وروى جماعةٌ عنها: ((كان يُصَلِّي مِن اللَّيل ثلاثَ عشرة منها ركعتا الفجر)). منهم مَن فصَّل، ومنهم مَن أجمل. وزاد عروة: ((فإذا صلَّى ركعتي الفجر اضطجعَ على شِقِّه الأيمن حتَّى يأتيه المؤذِّنُ)). قال: وقال مسروقٌ: سألتُ عائشة عن صلاة اللَّيل، فقالت: سبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر. وفي رواية الأسود: ((ثلاث عشرة، ثمَّ إنَّه صلَّى إحدى عشرة وترك ركعتين، ثم إنَّه قُبض حين قُبض وهو يُصَلِّي سبع ركعاتٍ)). قالت: ((كان يوتر بأربع وثلاثٍ، وستٍّ وثلاثٍ، وثمان وثلاثٍ، وعشر وثلاثٍ، ولم يكن يُوتر بأنقصَ مِن سبعٍ ولا بأكثر مِن ثلاث عشرة، ولم يكن يدع ركعتين قبل الفجر)).
          وفي «الصحيحين» و«الأربعة» مِن حديث هشامٍ عن أبيه عنها: ((كان رسول الله صلعم يُصَلِّي مِن اللَّيل ثلاث عشرة ركعة، يُصَلِّي ثمان ركعاتٍ ثمَّ يوتر، ثمَّ يُصَلِّي ركعتين وهو جالسٌ، فإذا أراد أن يركع قام ثمَّ يُصَلِّي ركعتين بين النداء والإقامة مِن صلاة الصبح)).
          ولمسلمٍ عن عبد الله بن شَقِيقٍ: ((سألتُ عائشة عن صلاة رسول الله صلعم عن تطوُّعِهِ)) وفيه: ((ويُصَلِّي بالنَّاس العشاء، ويدخل بيتي فيُصَلِّي ركعتين، وكان يُصَلِّي مِن اللَّيل تسع ركعاتٍ فيهنَّ الوتر))، وفيه: ((وكان إذا طلع الفجر يُصَلِّي ركعتين)).
          وللنَّسائيِّ مِن حديث يحيى بن الجزَّار عنها قالت: ((كان يُصَلِّي مِن اللَّيل تسعًا، فلمَّا أَسَنَّ وثقُل صلَّى سبعًا)).
          وقد روى يحيى بن الجزَّار عن ابن عبَّاسٍ قال: ((كان صلعم يُصَلِّي مِن اللَّيل ثمان ركعاتٍ، ويوتر بثلاثٍ، ويُصَلِّي ركعتين قبل صلاة الفجر)).
          وقد روي أيضًا عن أمِّ سَلَمةَ قالت: ((كان رسول الله صلعم يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلمَّا كبُر وضعُف أوتر بتسعٍ)). ولأبي داودَ مِن حديث سعد بن هشام بن عامر عن عائِشَةَ قال: ((قلت: حدِّثيني عن وِتر رسول الله صلعم. قالت: كان يوتر بثماني ركعاتٍ لا يجلس إلَّا في التاسعة، ثمَّ يُصَلِّي ركعتين وهو جالسٌ فتلك إحدى عشرة، فلما أسَنَّ وأخذ اللحمَ أوتر بسبع ركعاتٍ لم يجلس إلَّا في السادسة والسابعةِ، ولم يسلِّم إلَّا في السابعة، ثمَّ يُصَلِّي ركعتين وهو جالسٌ، فتلك تسع ركعاتٍ)). وفيه: ((وكان إذا غُلِبَت عيناه مِن اللَّيل بنومٍ صلَّى مِن النهار ثنتي عشرة ركعة)). ولمسلمٍ نحوه.
          وأخرج التِّرمذيُّ _مصحِّحًا_ قولها: ((منعَهُ مِن ذلك مرضٌ أو غلبته عيناه صلَّى مِن النهار ثنتي عشرة ركعة))، قال: فأتيتُ ابن عبَّاسٍ فحدَّثته، فقال: والله هذا هو الحديث. وفي روايةٍ: ((يُصَلِّي ثمان ركعاتٍ لا يجلس فيهنَّ إلَّا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله ثمَّ يدعو ثمَّ يسلِّمُ تسليمًا يُسمِعُنا، ثمَّ يُصَلِّي ركعتين وهو جالسٌ بعد ما يسلِّمُ ثمَّ يُصَلِّي ركعة، فتلك إحدى عشرة، فلمَّا أسَنَّ رسول الله صلعم وأخذ اللحم، أوتر بسبعٍ، وصلى ركعتين وهو جالسٌ بعد ما يسلِّم)).
          وعنده مِن حديث زُرارة بن أوفى عنها: ((فيُصَلِّي ثماني ركعاتٍ ولا يجلس في شيءٍ منهنَّ إلَّا في الثامنة، فإنَّه كان يجلس ثمَّ يقوم ولا يسلِّم فيُصَلِّي ركعة يوتر بها، ثمَّ يسلِّم يرفع بها صوته)).
          وفي روايةٍ: ((ولا يقعُد في شيءٍ منها حتَّى يقعدَ في الثامنة ولا يسلِّم، ويقرأُ في التاسعة ثمَّ يقعدُ فيدعو بما شاء الله أن يدعو، ويسأله ويرغب إليه، وسَلَّم تسليمةً واحدةً، ثمَّ يقرأ وهو قاعدٌ بأمِّ القرآن، ويركع وهو قاعدٌ، ثم يقرأ الثانية ويركع ويسجد وهو قاعدٌ، ويدعو بما شاء اللهُ أن يدعو، ثمَّ يسلِّم وينصرف. فلم تزل تلك صلاته حتَّى بدَّنَ فنقص مِن التسع ثنتين، فجعلها إلى الستِّ والسبع، وركعةً وهو قاعدٌ حتَّى قُبض على ذلك)).
          قال المنذريُّ: ورواية زُرارة عن سعدٍ عنها هي المحفوظة، وعندي في سماع زُرارة منها نظرٌ، فإنَّ أبا حاتمٍ الرازيَّ قال: قد سمع زُرارةُ مِن عِمرانَ وأبي هُرَيرةَ وابن عبَّاسٍ، ثمَّ قال: وهذا ما صحَّ له، وظاهرُه عدمُ سماعه منها. وفي أبي داود أيضًا مِن حديث علقمةَ بن وقَّاصٍ عنها: ((أنَّه صلعم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثمَّ أوتر بسبع ركعاتٍ، ويركع ركعتين وهو جالسٌ بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم سجد)).
          ولَمَّا أورد التِّرمذيُّ في وصف صلاته صلعم باللَّيل حديث ابن عبَّاسٍ وحديث عائشة: ((كان يُصَلِّي مِن اللَّيل تسع ركعاتٍ)). قال: وفي الباب عن أبي هُرَيرةَ وزيد بن خالدٍ الجُهَنيِّ والفضل بن عبَّاسٍ. ثمَّ قال: وأكثر ما رُوي عنه في صلاة اللَّيل ثلاث عَشَرة ركعة مع الوتر، وأقلُّ ما وُصِف مِن صلاته مِن اللَّيل تسع ركعاتٍ.
          قلتُ: أمَّا حديث أبي هُرَيرةَ فلا عَدَدَ فيه يحصرُه، وأمَّا حديث زيدٍ فهو ثلاث عشرة بالوتر، وأمَّا حديث الفضل فصلَّى عشرًا وأوتر بواحدة ثمَّ ركع ركعتي الفجر.
          وذكر القاضي عياضٌ عن العلماء أنَّ كلَّ واحدٍ مِن ابن عبَّاسٍ وزيد وعائشة أخبر بما شاهد.
          وأمَّا الاختلاف في أحاديث عائشة فقيل: منها، وقيل: مِن الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة منهنَّ الوتر الأغلبُ، وباقي رواياتها إخبارٌ منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات، وأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر، وأقلُّه: سبع. وذلك بحسب ما كان يحصُل مِن اتِّساع الوقت أو ضيقِه بطول قراءةٍ أو لنوم أو لعذرِ مَرَضٍ أو غيرِه أو في بعض الأوقات عند كِبَرِ السِّنِّ، كما قالت: فلمَّا أَسَنَّ صلَّى سبع ركعاتٍ، أو تارة تَعُدُّ الركعتين الخفيفتين في أوَّل قيام اللَّيل كما رواها زيدٌ، وروتها عائشة، وتَعُدُّ ركعتي الفجر تارةً، وتحذفها تارةً أو تَعُدُّ أحدهما، وقد تكون عدَّت راتبةَ العشاء مع ذلك تارةً، وحذفَتها تارةً.
          ونقل أبو عمر عن أهل العلم أنَّهم يقولون: إنَّ الاضطراب عنها في أحاديثها في الحجِّ والرضاع وصلاتِه صلعم باللَّيل وقَصْرِ صلاة المسافر لم يأتِ إلَّا منها، لأنَّ الذين يروون عنها حفَّاظٌ أثباتٌ.
          وقال القُرْطبيُّ: قد أشكلتْ هذه الأحاديث على كثيرٍ مِن العلماء حتَّى إنَّ بعضَهم نسبُوا حديث عائشة في صلاة اللَّيل إلى الاضطراب، وهذا إنَّما يصحُّ إذا كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقتٍ، والصحيحُ أنَّ كل ما ذَكَرَتْه صحيحٌ مِن فعل رسول الله صلعم في أوقاتٍ متعددةٍ وأحوالٍ مختلفةٍ حسب النشاط ولتُبَيِّنَ أنَّ كلَّ ذلك جائزٌ.
          ثمَّ هذه الأحاديث دالَّةٌ على سُنِّيَّة قيام اللَّيل، لأنَّه صلعم فَعَلَه وواظب عليه، وأنَّ الوتر مِن صلاة اللَّيل، وقد كنَّا ألممنا ببعض ما كنا فيه في كتاب العلم في باب: السَّمر في العلم في حديث ابن عبَّاسٍ في مَبِيتِه في بيت ميمونة.
          ونختم ذلك بكلام المحامليِّ في «لُبابِه» حيث قال: صلاةُ الوتر على ستَّةِ أنواعٍ: ركعة واحدة، ثلاث ركعاتٍ مفصولةٍ، خمسٌ لا يقعد إلَّا في آخرهنَّ ويسلِّم، سبعٌ يقعد في السادسة ولا يسلِّم ثمَّ يقوم إلى السابعة ويُتمُّها تسعَ ركعات يتشهَّدُ في الثامنة ولا يسلِّم ثمَّ يقوم إلى التاسعة فيتمُّها، إحدى عشرة ركعةً يسلِّم مِن كلِّ ركعتين ثمَّ فَرْدَة.