التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الركعتان قبل الظهر

          ░34▒ بَابُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ.
          1180- 1181- ذَكَرَ فيه حديث ابن عُمَرَ:
          (حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلعم عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا) الحديث. سَلَفَ قريبًا في باب ما جاء في التَّطوُّع مَثنى مَثنى، وهو مطابقٌ لِمَا ترجم له.
          1182- وحديث عائِشَةَ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ). ولعلَّ وجهَه أنَّه صلَّى ركعتين فما زاد.
          ثمَّ قال البخاريُّ: تابعه ابن أبي عَديٍّ وعمرو عن شُعْبةَ يعني أنَّهما تابعا يحيى بن سعيدٍ على روايته عن شُعْبَةَ. وابن أبي عَدِيٍّ: هو محمَّد بن إبراهيمَ، وعمرو: هو ابن مرزوقٍ أبو عثمان الباهليُّ مولاهم بصريٌّ. وتابعهما عثمان بن عُمَرَ بن فارسٍ عن شُعْبَةَ، أخرجه النَّسائيُّ، لكن بزيادة مسروقٍ قبل عائشة، ثمَّ قال: ولم يتابع عليه. وتابعه محمَّد بن جعفرٍ عن شُعْبَةَ كالجماعة، وصوَّب المَنِيعيُّ إثبات مسروقٍ، ووهَّم إسقاطه.
          قال الإسماعيليُّ: وقد ذَكَرَ سماعَ ابنِ المنتشر عن عائِشَةَ غير واحدٍ. فالحمْلُ في ذلك على عثمان بن عمر فإن يحيى بن سعيدٍ لم يكن ليحمل كذا إن شاء الله وقد جاء به غُندَر ووكيعٌ وكفى بهما، قال: وتابع يحيى ابنُ المباركِ ومعاذُ بن معاذٍ وابنُ أبي عَديٍّ ووهبُ بن جَريرٍ.
          وفي التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ مِن حديث المغيرة بن زيادٍ عن عطاءٍ _وهو ابن أبي رباحٍ_ عن عائِشَةَ مرفوعًا: ((مَن ثابَرَ على اثنتي عشرة ركعةً في اليوم واللَّيلة دخل الجنَّةِ: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)). قال التِّرمذيُّ: حديثٌ غريبٌ مِن هذا الوجه. ومغيرةُ بن زيادٍ قد تكلَّم فيه بعضُ أهل العلم من قِبَلِ حفظِه. وقال النَّسائيُّ: هذا خطأٌ، ولعلَّه أراد عنْبَسَة بن أبي سُفْيانَ، فصحَّف _يعني حديثَ عَنْبَسةَ_ عن أمِّ حبيبةَ مرفوعًا: ((مَن صلَّى في يومٍ وليلةٍ ثنتي عشرة ركعة بُني له بيتٌ في الجنَّةِ: أربعًا قبل الظهر...)) الحديث.
          ولمسلمٍ مِن حديث عبد الله بن شَقِيقٍ: سألتُ عائشة / عن صلاة رسول الله صلعم عن تطوُّعه، فقالتْ: ((كان يُصَلِّي في بيتِه قبل الظُّهر أربعًا، ثمَّ يخرج فيُصَلِّي بالنَّاس، ثمَّ يدخل فيُصَلِّي ركعتين...)). الحديثَ. وللترمذيِّ: ((قبل الظُّهر ركعتين)). وصحَّحه. والأوَّلُ هو المشهور مِن رواية عائشة. وفي التِّرمذيِّ مِن هذا الوجه: ((كان إذا لم يُصَلِّ أربعًا قبل الظهر، صلَّاهُنَّ بعدَها)). ثمَّ قال: حسنٌ غريبٌ.
          واختلفت الأحاديث في التنفُّل قبل الظهر وبعدَها، ففي حديث عائشة ما علمتَه، وفي حديث ابن عُمَرَ المذكور في الباب: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم ركع ركعتين قبلها، وركعتين بعدها)). ولأبي داودَ مِن حديث البراء: ((ركعتين قبلها)). واستغربه التِّرمذيُّ وحسَّنَه. ولا تَخَالُفَ بينها لأنَّ كلَّ واحدٍ أخبرَ بما رأى. وأجاب الدَّاوديُّ بأنَّ ابن عُمَرَ قد ينسَى بعضَ ذلك. وكان جماعةٌ مِن السلف يفعلون ذلك. ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ وابن عُمَرَ والبراءِ وأبي أيُّوبَ أنَّهم كانوا يصلُّون قبل الظهر. وعن ابن المسيِّب مثلُه. وقال إبراهيم: مِن السنَّة أربعٌ قبل الظهر وركعتان بعدها سنَّةٌ. وصوَّب الطَّبريُّ الروايتين، وأنَّ كُلًّا منهما صحيحٌ، والأربعَ في كثيرِ أحوالِه، وركعتين في قليلِها.
          وإذا كان ذلك كذلك فللمرء أن يُصَلِّي قبل الظهر ما شاء لأنَّ ذلك تطوُّعٌ، وقد ندب اللهُ تعالى المؤمنين إلى التقرُّب إليه بما أطاقوا مِن فعل الخير.
          والصَّلاة بعد الزوال وقبل الظهر كانت تعدل بصلاة اللَّيل في الفضل. رُوي هذا عن جماعةٍ مِن السَّلف. وذكر ابن قُدَامة الحنبليُّ أنَّ الراتبة عندهم قبل الظهر ركعتان، وركعتان بعدها. واستدلَّ بحديث ابن عُمَرَ هذا. وقال الشافعيُّ: قبل الظهر أربع. وقال صاحب «البداية» الحنفيُّ: أربعٌ قبلها، وركعتان بعدها. واستدلَّ بحديث عائشة في الباب، وبحديث أمِّ حبيبةَ. أخرجه النَّسائيُّ و التِّرمذيُّ وصحَّحه، وعنها: ((مَن صلَّى أربعًا قبل الظهر، وأربعًا بعدها، حرَّمه الله على النَّار)) أخرجه التِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ. وقال مرَّةً: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وأخرجه أبو داودَ، والنَّسائيُّ أيضًا.
          ولأبي داودَ والتِّرمذيِّ وابن ماجه مِن حديث أبي أيُّوبَ مرفوعًا: ((أربعٌ قبل الظهر ليس فيهنَّ تسليمٌ تُفتح لهنَّ أبواب السماء)). وللتِّرمذيِّ عن عليٍّ: ((كان النَّبيُّ صلعم يُصَلِّي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين)). ثمَّ قال: حسنٌ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم مِن الصَّحابة، ومَن بعدهم يختارون أن يُصَلِّي الرَّجل قبل الظهر أربعًا. وهو قول الثَّوريِّ وابن المبارك وإسحاقَ.
          ولابن منصورٍ في «سننه» مِن حديث البراء قال: ((مَن صلَّى قبل الظهر أربعًا كان كمَن تهجَّد مِن ليلته، ومَن صلاهنَّ بعد العشاء كان كمثلهنَّ مِن ليلة القدر)).
          وللترمذيِّ مِن حديث عبد الله بن السَّائب: ((أنَّ رسول الله صلعم كان يُصَلِّي أربعًا بعد أن تزول الشَّمس قبل الظهر))، وقال: ((إنَّها ساعةٌ تُفتح فيها أبواب السَّماء، وأحبُّ أن يصعد لي فيها عملٌ صالحٌ)) وقد سلف. قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وفي الباب عن عليٍّ وأبي أيُّوبَ. وله مِن حديث عمر رَفَعَه: ((أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسَب بمثلِهنَّ مِن صلاة السَّحر، وليس شيءٌ إلَّا يسبِّح الله تلك الساعة))، ثمَّ قرأ: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ}الآية[النحل:48] كلَّها. ثمَّ قال: حديثٌ غريبٌ.
          قال القُرْطبيُّ: واختلف العلماء هل للفرائض رواتبُ مسنونةٌ أو ليس لها؟ فذهب الجمهور وقالوا: هي سُنَّةٌ مع الفرائض. وذهب مالكٌ في المشهور عنه إلى أنَّه لا رواتب في ذلك، ولا توقيت عدا ركعتي الفجر؟ حمايةً للفرائض. ولا يُمنَع مِن تطوُّعٍ بما شاء إذا أَمِنَ ذلك. قال: وذهب العراقيُّون مِن أصحابنا إلى استحباب الركوع بعد الظهر وقبل العصر وبعد المغرب.