التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قيام النبي حتى ترم قدماه

          ░6▒ بابُ قِيَامِ النَّبِيِّ صلعم حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ.
          (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ). والفُطُورُ: الشُّقُوقُ. {انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1]: انْشَقَّتْ.
          1130- ثمَّ ذكر فيه حديث المغيرة: (إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلعم لَيَقُومُ أو لِيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ _أَوْ سَاقَاهُ_ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟).
          هذا الحديث ذكره في التفسير كما ستعلمُه إن شاء الله.
          وقوله: (حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ) يُقال: ورِم يَرِمُ: إذا رَبَا، وهو فعِل يفعِل مِن نادرِ الكلام وشاذِّهِ، كما قاله ابن التِّين.
          وفيه: أنَّه كان يفعل مِن العبادة ما يَنهَى عنه أمَّته لعِلمِهِ بقوَّة نفسه، ولِمَا ل يُخشَى عليه مِن الْمُلول في ذلك.
          وقوله: (فَيُقَالُ لَهُ): أي: أَلَا ترفُق بنفسك؟ وقد رُوي أنَّه قيل له: غفر الله لك ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخَّر، فقال: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).
          وفيه: أنَّ السجود والصَّلاة شُكْرُ النعم.
          قال المهلَّب: وفيه: أخْذُ الإنسان على نفسه بالشدَّة في العبادة وإن أضرَّ ذلك ببدنه لأنَّه حلالٌ، وله أن يأخذ بالرُّخصة ويُكلِّفَ نفسه ما عَفَت له به وسَمَحَت.
          قال: إلَّا أَنَّ الأخْذَ بالشِّدة أفضلُ، ألا ترى قوله أي في الجواب: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟) فكيف مَن لم يعلم أنَّه استحقَّ النار أم لا؟ فمَن وُفِّق للأخذ بالشِّدَّة فَلَهُ في الشَّارع أفضلُ الأسوة، وإنَّما ألزم الأنبياءُ والصالحون أنفسَهم شِدَّةَ الخوف _وإن كانوا قد آمنوا_ لعلمِهم بعظيم نِعَم الله تعالى عليهم، وأنَّه بدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في شكره تعالى بأكثرَ مما افترض عليهم فاستقلُّوا ذلك، ولهذا المعنى قال طَلْق بن حَبيبٍ: إنَّ حقوق الله أعظم مِن أن يقوم بها العباد، ونِعمُه أكثر مِن أن تُحصى، ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين، وهذا كلُّه مفهومٌ مِن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].