التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يصل الضحى ورآه واسعًا

          ░32▒ بَابُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا.
          1177- ذَكَر فيه حديث عائِشَةَ: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا).
          وأخرجه مسلمٌ أيضًا. زاد مَعْمَر في روايته: ((وما أحْدث النَّاس شيئًا أحبَّ إليَّ منها)). وقد سلف الكلام عليه في باب تحريضه صلعم على صلاة اللَّيل واضحًا.
          قال البيهقيُّ: وعندي _والله أعلم_ أنَّ المراد به: ما رأيتُه داوَمَ عليها.
          (وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا) أي: أداوم عليها. قال: وكذا قولها: (وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا). يعني: المداومة عليها.
          وفي الحديث السالف إثباتُ فعلِها إذا جاء مِن مَغيبه. وروى في ذلك جابر بن عبد الله وكعب بن مالكٍ، عن النَّبيِّ صلعم، وحديثُها: ((يُصَلِّي أربعًا ويزيد ما شاء الله))، وهو دالٌّ على صِحَّة التأويل المذكور. وقد بَيَّنَت العلَّةَ في تركه المداومة عليها بقولها في آخره: ((وإن كان لَيَدعُ العملَ، وهو يحبُّ أن يعملَه، خشية أن يعمل به النَّاس فيُفرَض عليهم)).
          وقال أبو بكر محمَّد بن إسحاقَ: هذه كلمةٌ تكلَّمت بها عائشة على المسامحة والمساهلة، وقد يَشرَكُها كثيرٌ مِن الصَّحابة / في جهل ذلك، روى الحاكم إنكارها عن أبي بكرةَ، قال: ولم يصحَّ، ولو صحَّ لكان معناه ما ذُكِر في حديث عائِشَةَ وأنسٍ، ثمَّ أعلَّه. وهو خلاف رواياته الصَّحيحة وأبو هُرَيرةَ، ووهَّاه.
          وقد أخذ قومٌ مِن السلف بحديث ابن عُمَرَ السالف، وعائشةَ هذا، ولم يَرَوْا صلاة الضُّحَى. وقال بعضهم بأنَّها بدعةٌ كما سلف. روى الشَّعبيُّ عن قَيس بنِ عُبَادٍ قال: كنتُ أختلف إلى ابن مسعودٍ السَّنَةَ كلَّها، فما رأيته مصلِّيًا الضُّحَى. وقال إبراهيم النَّخَعيُّ: حدَّثني مَن رأى ابن مسعودٍ صلَّى الفجر، ثمَّ لم يقم لصلاةٍ حتَّى أُذِّن لصلاة الظهر، فقام فصلَّى أربعًا. وكان ابن عَوْفٍ لا يُصَلِّيها.
          وقال ابن عُمَرَ: بدعةٌ. كما سلف تأويلُه. وقال مرَّةً: ونِعْمَت البِدعة. وقال مرَّةً: ما ابتدع المسلمون بدعةً أفضلَ منها. وقال أنسٌ: صلاتُه يوم الفتح كان سُنَّةَ الفتح، لا سُنَّةَ الضُّحَى. ولَمَّا فتح خالدُ بن الوليد الحِيرةَ صلَّى صلاة الفتح ثماني ركعاتٍ لم يُسَلِّم فيهنَّ، ثمَّ انصرف. وهذا تأويلٌ لا يَدفع صلاة الضُّحَى لتواتر الروايات بها عن رسول الله صلعم، وفِعْلِ السَّلف بعده.
          وذهب قومٌ مِن السلف أنَّها تُصلَّى في بعض الأيَّام دون بعض، واحتجُّوا بحديث عائشة: ((لا، إلَّا أن يجيَء مِن مغيبِه)). وروى عطيَّةُ عن أبي سعيدٍ ((كان رسول الله صلعم يُصَلِّي الضُّحَى حتَّى نقول: لا يدعُها. ويدعُها حتَّى نقول: لا يُصَلِّيها)). وكان ابن عبَّاسٍ يُصَلِّيها يومًا، ويدعُها عشرة أيام. وكان ابن عُمَرَ لا يُصَلِّيها، فإذا أتى مسجد قُباءٍ صلَّى، وكان يأتيه كلَّ سبتٍ.
          وعن إبراهيمَ: كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة، ويُصَلُّون ويَدَعُون. وعن سعيدِ بن جُبيرٍ: إنِّي لَأَدَعُ صلاة الضُّحَى وأنا أشتهيها مخافةَ أن أراها حتمًا عليَّ.