التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار

          ░17▒ بابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطُّهُورِ باللَّيلِ والنَّهارِ، وفَضْلِ الصَّلَاةِ بِعدَ الوُضُوءِ باللَّيْلِ والنَّهارِ.
          1149- ذكر فيه حديث أبي هُرَيرةَ: (أَنَّ رَسولَ الله صلعم قَالَ لِبِلاَلٍ: عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ...) الحديث.
          أخرجه النَّسائيُّ، كما نبَّه عليه ابن عساكرَ، وأهمله الطَّرْقيُّ، وذكر أبو مسعودٍ والطَّرْقيُّ أنَّ مسلمًا أخرجه في الفضائل، وكذا ذَكَرَهُ الحُمَيديُّ في المتفق عليه مِن مسند أبي هُرَيرةَ.
          واسم أبي أسامة: حمَّاد بن أُسامةَ، وأبو حيَّان اسمُه: يحيى بن سعيد بن حيَّانَ التَّيميُّ، واسمُ أبي زُرعة هَرِم بن عمرو بن جريرِ بن عبد الله.
          قوله: (بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ) أي: لأنَّه قد يَعمَل في السرِّ ما لا يعلمه صلعم، وإنما رَجَى بلالٌ ذلك لَمَّا عَلِم أنَّ الصَّلاة أفضلُ الأعمال بعد الإيمان.
          وفيه: سؤال الصالحين عمَّا يهديهم اللهُ إليه مِن الأعمال المقتدَى بهم فيها وتمثيل رجاءَ بركتها.
          و(دَفَّ نَعْلَيْكَ) بالفاء المشدَّدة. أي: <تحريكَ نعليك> كما هو في بعض نسخ البخاريِّ، والدَّفُّ: الحركة الخفيفة _وهو بفتح الدَّال المهملة_ وحكى أبو موسى المدينيُّ في «مغيثه» إعجامَها. قال صاحب «العين»: دَفَّ الطائرُ إذا حرَّك جناحيه ورجلاه في الأرض. وقال ابن التِّين: دفُّ نعليك: حفيفها، وما يُسمع مِن صوتها، والدَّفُّ: السير السريع. وفي رواية ابن السَّكَن: <دُوِي نعليك> _بضمِّ الدال المهملة_وهو الصوت، وعند الإسماعيليِّ: <حفيف نعليك>. وللحاكم: ((خَشْخَشتكَ أمامي)).
          وقوله: (بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ) أي: أنَّه رآه بموضعٍ بين يديه، كأنَّ بلالًا تقدَّمه.
          وفي الحديث: دليلٌّ على أنَّ الله تعالى يُعظِم المجازاة على ما يُسِرُّ به العبد بينه وبين ربِّه ممَّا لا يطَّلِع عليه أحدٌ. وقد استحبَّ ذلك العلماء _أعني: أعمال البرِّ_ ليدَّخِرها، ومِن ذلك ما وقع لبلالٍ، فإنَّه لم يَعلَم به الشَّارع حتَّى أخبره.
          وفيه: فضيلةُ الوضوء والصَّلاة عَقِبها لئلَّا يبقى الوضوء خاليًا عن مقصوده، وإنما فَعَل ذلك بلالٌ لأنَّه علم أنَّ الصَّلاة أفضلُ الأعمال بعد الإيمان _كما سلف_ فلازَمَ.
          وقوله: (لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ) قد يَستدِلُّ بهَ من يرى أنَّ كلَّ صلاةٍ لها سببٌ تُصلَّى وإن كان وقتُ الكراهة، والطُّهور هنا يحتمل الأمرين: الغُسلَ والوُضُوء.