شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض}

          ░40▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ(1)}[الجمعة:10]
          فيه سَهْلٌ(2) قَالَ: (كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَحْقِلُ على أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا(3)، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ(4)، تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا(5)، وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا، فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ، ومَا كُنَّا نَقِيلُ وَلا نَتَغَدَّى(6) إِلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ). [خ¦938]
          وترجم له: باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ.
          وزاد فيه: عَنْ أَنَسٍ قالَ: (كُنَّا نُبَكِّرُ إلى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ). [خ¦940]
          والفقهاء(7) متَّفقون على أنَّ معنى قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة:10]، الإباحة؛ لأنَّه ورد بعد تقدُّم أمرِه تعالى(8) بالسَّعي إلى الصَّلاة، وترك البيع؛ فأبان بقوله تعالى(9): {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ}[الجمعة:10]، زوال ما أوجب عليهم من السَّعي وترك البيع في وقت الصَّلاة، وهذا كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ}[المائدة:2].
          وموافقة الحديث للتَّرجمة وهو قوله: (كُنَّا(10) نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ إِلَيْنَا ذَلِكَ الطَّعَامَ)، ألا ترى(11) أنَّ انصرافهم بعد(12) الجمعة لم يكن واجبًا عندهم(13)، وإنَّما كانوا ينصرفون لما ذكره(14) من الغداء، ثمَّ القائلة عوضًا ممَّا فاتهم من ذلك في وقته، وهذا الحديث بيِّنٌ في ردِّ قول مجاهدٍ، وأحمد بن حنبلٍ أنَّ الجمعة تُصلَّى قبل الزَّوال استدلالًا، بقوله: (ومَا كُنَّا نَقِيلُ إِلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ(15))، ولا يُسمَّى بعد الجمعة وقت الغداء، فبان أنَّ قائلتهم وغداءهم بعد الجمعة إنَّما كان عوضًا ممَّا فاتهم في وقته(16) من أجل بِدَارهم بالسَّعي إلى الصَّلاة والتَّهجير إلى الجمعة، وعلى هذا التَّأويل جمهور الأئمَّة وعامَّة العلماء، فلا معنى للاشتغال بما خالفهم(17)، وقد تقدَّم ما للعلماء في ذلك من الحجَّة في باب وقت الجمعة إذا زالت الشَّمس. [خ¦903] وقال(18) صاحب «العين»: الأربعاء الجداول، واحدها ربيعٌ.
          وقوله: (تَحْقِلُ) مأخوذة(19) من الحقل، والحقل: الزرع المتشعب الورق.


[1] زاد في (م) و (ق) و (ي) و(ص): ((الآية)).
[2] زاد في (م) و(ق): ((بن سعد)).
[3] في (ص): ((ساقا)).
[4] في (ص): ((الجمعة)).
[5] في (م) و (ق): ((تطبخها)).
[6] في (ق): ((وما كنا نتغدى ونقيل)).
[7] في (م): ((الفقهاء)).
[8] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[9] في (م) و (ق): ((فأبان تعالى بقوله)).
[10] في (م): ((للترجمة هو قوله وكنا)).
[11] قوله: ((ترى)) ليس في (م) و (ق).
[12] في (م) و (ق): ((من)).
[13] زاد في (م) و (ق): ((لما بيناه)).
[14] في (م) و (ق): ((ذكروه)).
[15] زاد في (م) و (ق): ((وليس كما توهما لأنه [زاد في (ق): ((قد)).] قال إنهم يتغدون بعد الجمعة)).
[16] قوله: ((في وقته)) ليس في (م) و (ق).
[17] قوله: ((وعلى هذا التأويل جمهور الأئمة وعامة العلماء، فلا معنى للاشتغال بما خالفهم)) ليس في (م) و (ق).
[18] في (ص): ((قال)).
[19] في (م) و(ق) و (ي) و(ص): ((مأخوذ)).