شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة

          ░19▒ باب: لا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
          فيه: سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ(1): (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بمَا(2) اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ، أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ(3) يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَصَلَّى(4) مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإمَامُ أَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأخْرَى). [خ¦910]
          وقوله(5): (لا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ)، يعني(6) لا يتخطى رقابهما، يدل على ذلك ما رواه(7) ابن أبي خيثمة قال: حدثنا محمد بن بكار وحدثنا(8) عَبَّاد بن عَبَّاد(9) حدثنا هشام بن زياد عن عمار بن سعيد(10) عن عثمان بن أبي الأرقم(11) عن أبيه _وكان من أصحاب النبي صلعم_ قال: ((الذي يتخطى رقاب الناس يفرق بين الاثنين يوم الجمعة بعد خروج الإمام كالجارِّ قصبه في النار)).
          وروى ابن وهب عن أسامة(12) بن زيد عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه(13) عن عبدالله ابن عَمْرو بن العاص(14) أن رسول الله صلعم قال: ((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)).
          وفي قوله: (لا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) حض على التبكير إلى الجمعة ليصل إلى مكان مصلاه دون تخط ولا تفريق بين اثنين(15).
          اختلف(16) العلماء في التخطي، فكرهه أبو هريرة وسلمان وكعب، ورواه(17) ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: لأن أصلي بالحرة أحبُّ إلي من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، وعن سعيد بن المسيب مثله، وقال كعب(18): لأن أدع الجمعة أحبُّ إلي من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، وقال سلمان: إياك والتخطي واجلس حيث بلغتك(19) الجمعة، وهو قول عطاء والثوري وأحمد بن حنبل.
          وفيه(20) قول ثان، قال قَتادة: يتخطاهم إلى مجلسه، وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة، وهذا يشبه(21) قول الحسن البصري قال: لا بأس بالتخطي إذا كان في المسجد سعة، وقال الشافعي: أكره التخطي قبل دخول الإمام وبعده إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلى إلا أن(22) يتخطى فيسعه التخطي.
          وفيها قول ثالث رُوي عن أبي نضرة قال: يتخطاهم(23) بإذنهم، وكان مالك لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر، ولا بأس به قبل ذلك(24) إذا كان بين يديه فرج، وذكر الطحاوي عن الأوزاعي مثله، قال: التخطي الذي جاء فيه القول(25) إنما هو والإمام يخطب لأن الآثار تدل على ذلك، ألا ترى قوله صلعم: ((الذي يتخطى رقاب الناس يفرق(26) بين الاثنين(27) بعد خروج الإمام كالجارِّ قصبه في النار))، وقوله للذي يتخطى وهو يخطب: ((آذيت وآنيت))(28).


[1] قوله: ((الفارسي قال)) ليس في (م) و(ق).
[2] في (م) و(ص): ((ما)).
[3] في (م): ((ولم)).
[4] في (م): ((ثم صلى)).
[5] في (م) و(ق): ((قوله)).
[6] قوله: ((يعني)) ليس في (م).
[7] في (م): ((ذكره)).
[8] في (م): ((حدثنا)).
[9] في (م): ((عبادة)).
[10] في (ق) و(م): ((سعد)).
[11] زاد في (م): ((عن أبي الأرقم))، و في (ق): ((عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم)).
[12] في (ق): ((أمامة)).
[13] قوله: ((عن أبيه)) ليس في (ق).
[14] في (م): ((العاصي)).
[15] قوله: ((وفي قوله: (لا يفرق بين اثنين)، حض على التبكير إلى الجمعة؛ ليصل إلى مكان مصلاه دون تخط ولا تفريق بين اثنين)) ليس في (م) و(ق).
[16] في (م) و(ق): ((واختلف)).
[17] في (م): ((وروى)).
[18] في (م) و(ق): ((وعن كعب قال)).
[19] في (م) و(ق): ((تبلغك)).
[20] في (م) و(ق): ((وفيها)).
[21] قوله: ((يشبه)) ليس في (ص).
[22] في (ق) و(م) و(ص): ((بأن)).
[23] في (م) و(ق): ((يتخطى)).
[24] في (ق): ((ولا بأس بذلك)).
[25] في (م): ((قال الذي جاء فيه النهي))، و في (ق): ((فإن التخطي الذي جاء فيه النهي)).
[26] في (ص): ((فيفرق)).
[27] في (ق): ((اثنين)).
[28] في (م): ((وقوله للذي يخطي آذيت وآنيت)).