شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخطبة على المنبر

          ░26▒ باب: الْخُطْبَةِ على الْمِنْبَرِ.
          وَقَالَ أَنَسٌ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلعم على الْمِنْبَرِ.
          فيه سَهْل: (أن النبيَّ صلعم قالَ لامْرَأَةٍ: مُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَل لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ، إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ، فَعَمِلَته)، الحديث. [خ¦917]
          وفيه: جَابِر قَالَ: (كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلعم فَلَمَّا وُضِعَ(1) الْمِنْبَرُ، سُمِع لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ(2) الْعِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلعم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ). [خ¦918]
          وفيه: ابن عمر: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَخْطُبُ على الْمِنْبَرِ). [خ¦919]
          قال(3): إذا كان الخليفة هو الذي يخطب، فسنته(4) أن يجلس على المنبر إذا خطب(5)، وإذا خطب غير الخليفة قام إن شاء على المنبر(6)، وإن شاء على الأرض.
          قال مالك: ومن لا يرقى على المنبر عندنا، فجلهم(7) يقوم عن يسار المنبر، ومنهم من يقوم عن يمينه وكل واسع، ورُوي أن أبا بكر الصديق ☺ نزل بعد النبي صلعم درجةً من المنبر تواضعًا منه، ولم ير نفسه أهلًا لموضع النبي صلعم وكذلك فعل عمر نزل بعد أبي بكر(8)، فكان يخطب على(9) الأولى، وكان المنبر من(10) ثلاث درجات. وجماعة الفقهاء على أن الخطبة من شرط(11) الجمعة لا تصح إلا بها، ومتى لم يخطب الإمام صلى أربعًا، وشذَّ الحسن البصري فقال: تجزئهم جمعتهم خطب الإمام أو لم يخطب، ذكره ابن المنذر عنه(12)، وذكر عبد الوهاب أنه قول أهل الظاهر. ويرد قولهم أن النبي صلعم لم يجمع قط إلا بخطبة، نقل ذلك الكافة عن الكافة(13) ومن لا يجوز عليه السهو(14)، ولو كانت الجمعة تجزئ بغير خطبة لبين ذلك لأمته(15)، وقد قال عُمَر بن الخطاب: إنما قصرت الصلاة من أجل الخطبة، وقال سعيد بن جبير(16): إن الخطبة جعلت مكان الركعتين. وحديث جابر يعارض حديث سهل في الظاهر؛ لأنه قال ◙ في حديث سهل: (مُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَل لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ)، فدل هذا أنه كان يخطب جالسًا، وقال جابر في حديثه: (كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلعم)، فدل هذا أنه كان يخطب قائمًا(17)، والذي يجمع(18) بين الحديثين وينفي التعارض عنهما أنه لم يُحفظ عنه صلعم أنه خطب للجمعة قطُّ إلا قائمًا، وقد قال بعض العلماء في قول الله ╡: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}[الجمعة:11]، قال: قائمًا يخطب، فيمكن أن يكون جلوسه(19) في حديث سهل إذا خطب الناس في غير الجمعة(20) لوعظٍ أو تعليم جلس على المنبر، وإذا خطب في الجمعة قام، ويؤيد هذا حديث ابن عمر، وقد ترجم له باب الخطبة قائمًا(21). وفي حديث جابر علم عظيم من أعلام نبوته صلعم، ودليل على صحة رسالته، وهو حنين الجماد إليه وذلك بأن الله تعالى جعل للجذع(22) حياة حَنَّ بها، وهذا لا يجوز إلا أن يكون بفضل الله ╡(23) الذي يحيي الموتى(24) بقوله: كُن(25).


[1] زاد في (م): ((له)).
[2] في (ص): ((صوت)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[4] في (م): ((فيه)).
[5] قوله: ((إذا خطب)) ليس في (م).
[6] قوله: ((إذا خطب، وإذا خطب غير الخليفة قام إن شاء على المنبر)) ليس في (ق).
[7] في (ص): ((فمنهم من)).
[8] زاد في (م) و(ق): ((درجة أخرى تواضعًا منه)).
[9] زاد في (م) و(ق): ((الدرجة)).
[10] قوله: ((من)) ليس في (م).
[11] في (م): ((شروط)).
[12] قوله: ((عنه)) ليس في (م) و(ق).
[13] قوله: ((عن الكافة)) ليس في (م) و(ق).
[14] في (م) و(ق): ((لا يجوز السهو عليه)).
[15] زاد في (ق): ((◙)).
[16] في (م) و(ق): ((لبين ذلك لأمته وقد قال سعيد بن جبير)).
[17] قوله: ((وقال جابر في حديثه: ((كان جذع يقوم إليه النبي ◙))، فدل هذا أنه كان يخطب قائمًا)) ليس في (م).
[18] قوله: ((يجمع)) ليس في (ق).
[19] زاد في (ق): ((◙)).
[20] قوله: ((الجمعة)) ليس في (م).
[21] في (م) و(ق): ((حديث ابن عمر في الباب بعد هذا)).
[22] في (م) و(ق): ((بأن جعل الله تعالى في الجذع)).
[23] في (م) و(ق): ((لا يجوز أن يكون إلا من فعل الله تعالى)).
[24] في (م): ((الموات)).
[25] زاد في (ص): ((فيكون)).