شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الجمعة في القرى والمدن

          ░11▒ باب: الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ.
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: (أَوَّل جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ، بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلعم، فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ). [خ¦892]
          وكَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ(1) إلى ابْنِ شِهَابٍ وهو بِوَادِي الْقُرَى: هَلْ تَرَى(2) أَنْ أُجَمِّعَ؟، وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ على أَرْضٍ وَفِيهَا جَمَاعَةٌ، فَكَتَبَ إليه ابْنُ شِهَابٍ أَنْ يُجَمِّعَ، قال: وحدثني سَالِم عن أبيه أَنَّ النبي صلعم قال: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ(3) عَنْ رَعِيَّتِهِ). [خ¦893]
          أجمع العلماء على وجوب الجمعة على أهل المدن، واختلفوا في وجوبها على أهل القرى، فقال مالك: كل قرية يكون(4) فيها مسجد أو سوق، فالجمعة واجبة على أهلها، وبه قال الشافعي وجماعة، وقال مالك والشافعي: لا تجب على أهل العمود وإن كثروا لأنهم في حكم المسافرين.
          وقال أبو حنيفة والثوري: لا تجب الجمعة إلا على أهل الأمصار خاصة، وأحاديث هذا الباب حجة لمن أوجب الجمعة على أهل القرى.
          وفي احتجاج ابن شهاب أن الجمعة على أهل القرى بقوله(5)◙: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ(6) عَنْ رَعِيَّتِهِ)، حجة للكوفيين في أن الجمعة لا تقوم إلا بالأمراء أو من(7) أَذِنَ له الأمراء، وزعموا أن الإمام فيها شرط(8) لأن النبي صلعم صلى بهم يوم(9) الجمعة وخلفاؤه بعده، وقال مالك والشافعي: تقوم الجمعة في القرى والمدن بِوَالٍ أو غيره(10).
          قال ابن القصار: ولو جاز أن يقول إن إقامة الجمعة بالنبي صلعم وبخلفائه(11) شرط(12) لجاز أن يقول ذلك في سائر الصلوات لأنه صلعم تولى سائر الصلوات بنفسه واستخلف أبا بكر الصديق، فكان يجب ألا يصلي(13) صلاة إلا بسلطان أو إذنه، والجمعة لابد أن تُفعل في المسجد مع الأئمة، والجماعات في الجمعة كما هي في الأعياد والاستسقاء والخسوف والحج، وهي أعلام من الشرائع بكثرة(14) الاجتماع لها، فجرت عادات(15) السلطان بحضورها لمقاماتها، لا أن(16) غير ذلك لا يجوز، كما فعل سائر الصلوات في المسجد، وتوعد(17) على تركها معه في المسجد ولم يقل(18) أن غير ذلك لا يجوز.


[1] في (م): ((حكم)).
[2] قوله: ((هل ترى)) ليس في (ق).
[3] في (م) و(ق): ((قال: كلكم راع ومسؤول)).
[4] قوله: ((يكون)) ليس في (ص).
[5] في (م) و(ق): ((ابن شهاب في ذلك بقوله)).
[6] في (م) و(ق): ((وكلكم مسؤول)).
[7] في (م): ((إلا بالإمرة ومن))، وفي (ق): ((بالأمراء ومن)).
[8] زاد في (م) و(ق): ((قالوا)).
[9] قوله: ((يوم)) ليس في (م) و(ق).
[10] في (م) و(ق): ((بوال وغيره)).
[11] في (م): ((وخلفائه)).
[12] زاد في (ق): ((فيها)).
[13] في (ق) و(م): ((تصلى)).
[14] في (م) و(ق): ((يكثر)).
[15] في (ق) و(م) و(ص): ((عادة)).
[16] في (م): ((إلا أن))، و في (ق): ((لأنّ)).
[17] في (م): ((وتوعده)).
[18] في (م) و(ق): ((يدل)).