شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر

          ░14▒ باب: الرُّخْصَةِ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: أنه قال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: (أَشْهَدُ أَنَّ لا إلهَ إلا الله، أَشْهَدُ أَنَّ(1) مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلا تَقُلْ: حَيَّ على الصَّلاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذلك، فقَالَ: فَعَلَهُ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنِّي، إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ). [خ¦901]
          اختلف العلماء في التخلف عن الجمعة للمطر، فممن(2) كان يتخلف عنها لذلك(3): ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث. وقالت طائفة: لا يتخلف عن الجمعة للمطر، روى ابن نافع قال(4): قيل لمالك: أيُتخلف عن الجمعة في اليوم المطير، قال: ما سمعت(5)، قيل له: فالحديث ((ألا صلوا في الرحال))، قال: ذلك في السفر.
          وقد رُخِّص في ترك الجمعة لأعذار أُخر غير المطر، روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عن الجمعة لجنازة أخ من إخوانِه(6) لينظر في أمرِه. قال ابن حبيب عن مالك: وكذلك / إن كان له مريض يخشى عليه الموت، وقد زار ابن عمر ابنًا لسعيد بن زيد ذُكر له شكواه، فأتاه إلى العقيق وترك الجمعة، وهو مذهب عطاء والحسن والأوزاعي. وقاله الشافعي في الولد والوالد إذا خاف فوات نفسِه. وقال عطاء: إذا استُصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة، وقال الحسن: يُرخص(7) في الجمعة للخائف. وقال مالك في «الواضحة»: ليس(8) على المريض والصحيح(9) الفاني جمعة، وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنَه لا يأتي الجمعة.
          وقال(10) ابن حبيب: أرخص(11) النبي صلعم في التخلف عن الجمعة لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة لما في رجوعهم من المشقة لما أصابهم(12) من شغل العيد(13)، وفعله(14) عثمان لأهل العوالي واختلف قول مالك فيه(15).


[1] في (م) و(ق): ((لا إله إلا الله وأن)).
[2] في (ق) و(ص): ((فمن)).
[3] في (م) و(ق): ((عنها في المطر)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[5] زاد في (ق): ((فيه شيئًا)).
[6] قوله: ((إخوانه)) ليس في (ق).
[7] في (م): ((ويرخص)).
[8] في (ق): ((وليس)).
[9] في (م) و(ق): ((والشيخ)).
[10] في (م): ((قال)).
[11] في (م) و(ق): ((وقد رخص)).
[12] في (م) و(ق): ((المشقة على ما بهم)).
[13] في (ص): ((اليد)).
[14] في (ق): ((فعله)).
[15] في (م) و(ق): ((واختلف فيه قول مالك)).