شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها

          ░39▒ باب: الصَّلاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا.
          فيه: ابْن عُمَرَ: (أَنَّ النبيَّ صلعم، كَانَ(1) يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ). [خ¦937]
          اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة فقالت طائفة: يُصلي بعدها ركعتين(2) في بيته كالتطوع بعد الظهر، روي ذلك عن ابن عمر وعمران بن حصين والنخعي. وقال مالك: إذا صلى الإمام(3) الجمعة فينبغي أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد، لما رُوي عن النبي ◙ أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد(4)، قال: ومن خلفه أيضًا إذا سلموا فأحبُّ إليَّ(5) أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد، وإن(6) ركعوا فذلك واسع. وقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا، رُوي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف، إلا أن أبا يوسف استحبَّ أن يُقدم الأربع قبل الركعتين، وقال الشافعي: ما أكثر المصلي بعد الجمعة من التطوع فهو أحبُّ إليَّ.
          وقالت طائفة: يصلي بعدها أربعًا لا يفصل بينهنَّ بسلام، روي ذلك عن ابن مسعود وعن علقمة والنخعي(7)، وهو قول أبي حنيفة وإسحاق. واحتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عمر: ((أنَّ النبي صلعم كان لا يصلي بعد الجمعة إلا ركعتين(8) في بيته)).
          قال المُهَلَّب: وهما الركعتان اللتان تُصلى بعد الظهر في سائر الأيام. وكرر ابن عمر ذكرها من أجل أنه صلعم كان يصليها في بيته، ووجه ذلك _والله أعلم_ أنه لما كانت الجمعة ركعتين لم يُصل بعدها صلاة مثلها / خشية أن يُظن أنها التي حُذفت(9) منها، وأنها واجبة، فلما زال عن موطن القصد(10) صلى في بيته،
          وقد روى ابن جُريجٍ عن عُمَر بن عطاء بن أبي الخُوارِ(11): أنَّ نافع بن جُبَيرٍ أرسلَه إلى السَّائب ابن أخت نَمِر يسأله عن شيءٍ رآه منه معاوية في الصَّلاة، فقال: نعم صلَّيت معه الجمعة، فلما سلَّم الإمام قمت فصلَّيت، فقال: لا تعدْ لما فعلت، إذا صلَّيت الجمعة فلا تَصِلْهَا بصلاةٍ حتَّى تكلَّم(12) أو تخرج؛ ((فإنَّ النَّبيَّ صلعم أمرَنا ألَّا نَصِلَ(13) صلاةً بصلاةٍ حتَّى نتكلَّم أو نخرجَ)). وروى الأعمش عن أبي الضُّحى عن مسروقٍ قال: كنَّا نقرأ في المسجد فنقوم فنصلِّي في الصَّف، فقال عبد الله: صَلُّوا في رِحالِكم لئلَّا يراكم(14) النَّاس فيرونها سنَّة، وقد أجاز مالكٌ الصَّلاة بعد الجمعة في المسجد للنَّاس، ولم يجزه للأئمَّة.
          وحجَّة أهل المقالة الثَّانية ما رواه أبو إسحاق عن عطاءٍ قال: صلَّيت مع ابن عمر الجمعة، فلمَّا سلَّم قام فركع(15) ركعتين، ثمَّ صلَّى أربع ركعاتٍ ثمَّ انصرف، وما رواه سفيان، عن أبي حُصَين، عن أبي عبد الرَّحمن، عن عليِّ بن أبي طالبٍ(16)☺، أنَّه قال: من كان(17) مصلِّيًا بعد الجمعة فليصلِّ(18) ستًّا، ووجه قول أبي يوسف ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن سليمان بن مُسْهِرٍ(19) عن خَرَشَة بن الحرِّ(20) أن عُمَر بن الخطَّاب كرِهَ أن يُصلَّى بعد صلاةٍ مثلها.
          ووجه(21) أهل المقالة الثَّالثة ما رواه ابن عيينة عن سهيلٍ(22) بن أبي صالح عن أبيه(23) عن أبي هريرة قال: ((قال رسول الله صلعم: مَنْ كانَ مِنكُم مصلِّيًا بعدَ الجمُعةِ فليُصَلِّ أربعًا)). وأمَّا الصَّلاة قبل الجمعة فقد تقدَّم اختلاف العلماء في الصَّلاة عند استواء الشَّمس في أبواب أوقات الصَّلوات(24)، [خ¦589] فأغنى ذلك عن إعادته هنا(25)، والحمد لله.


[1] في (م) و(ق): ((ابن عمر، كان النبي صلعم)).
[2] قوله: ((ركعتين)) ليس في (ص).
[3] في (م) و(ق): ((إذا سلم الإمام من)).
[4] قوله: ((لما رُوي عن النبي ◙، أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد)) ليس في (ق).
[5] قوله: ((إلي)) ليس في (م) و(ق)، وفي (ص): ((النبي صلعم)).
[6] في (م) و(ق): ((فإن)).
[7] قوله: ((بسلام، روي ذلك عن ابن مسعود، وعن علقمة، والنخعي)) ليس في (ق).
[8] في (م) و(ق): ((الجمعة الركعتين إلا)).
[9] في (م) و(ق): ((حذف)).
[10] في (م) و(ق): ((القصر)).
[11] في (ز) و(ي) و(ص): ((الجوزاء)) والمثبت من (م) و(ق) وهو الصواب.
[12] في (ي): ((تتكلم)).
[13] في (م) و (ق) و(ي) و(ص): ((نوصل)).
[14] في (ق): ((يزاحم)).
[15] في (م) و (ق): ((فصلى)).
[16] قوله: ((بن أبي طالب)) ليس في (م) و (ق) و (ي) و(ص).
[17] زاد في (م) و (ق): ((منكم)).
[18] قوله: ((فليصل)) ليس واضحًا في (ي) ولعلها: ((فليصلها ستًا)).
[19] في (ص): ((مسعر)).
[20] في (م): ((أبحر)).
[21] في (م) و (ق): ((وحجة)).
[22] في (ق): ((سهل)).
[23] قوله: ((عن أبيه)) ليس في (ص).
[24] في (م) و (ق): ((الصلاة)).
[25] في (ق): ((متنًا))، و قوله: ((هنا)) ليس في (ي).