شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأذان يوم الجمعة

          ░21▒ باب: الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
          فيه: السَّائِب بْنِ يَزِيدَ قَالَ: (كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإمَامُ على الْمِنْبَرِ على عَهْدِ رسول الله(1) وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ على الزَّوْرَاءِ). [خ¦912]
          وترجم له: باب المؤذن الواحد يوم الجمعة، وزاد فيه.
          عن السَّائِبِ قال: (وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ ◙ مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ / التَّأْذِينُ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ على الْمِنْبَرِ). [خ¦913]
          اختلف معنى قول مالك في صفة الأذان يوم الجمعة، فروى عنه ابن عبد الحكم قال: إذا جلس الإمام على المنبر ونادى المنادي مُنع الناس من البيع تلك الساعة، وهذا يدل أن النداء عنده واحد على ما(2) في هذا الحديث ونحوه عن الشافعي، وفي «المدونة» قال مالك: إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان حرُم البيع حينئذ(3)، فذكره(4) المؤذنين بلفظ الجمع، ونحوُه عن الكوفيين، وقال مالك في «المجموعة»: إن هشام بن عبد الملك هو الذي أحدث الأذان بين يديه وإنما الأذان على المنار واحدًا بعد واحدٍ إذا جلس الإمام على المنبر.
          واحتج الطحاوي بما رواه الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عُمَر بن الخطاب يصلون حتى(5) يخرج(6) عمر، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذن المؤذنون، بلفظ الجمع، وهذا كله يدل أنه إن(7) أذَّن مؤذنون أو مؤذن(8) أجزأ في ذلك، ألا ترى قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة:9]، أنه يدخل في معناه أقل ما يقع عليه اسم نداء وهو مؤذن واحد.
          فإن قال قائل: فإن كان مؤذن واحد على ما روى الزهري عن السائب فما(9) معنى قوله في آخر الحديث: (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ على الزَّوْرَاءِ)، وهذا يدل أن ثم أذانًا(10) ثانيًا، وآخر الحديث مخالف لأوله. قيل: لا خلاف فيه ولا تناقض وإنما كان يؤذن المؤذن ثم يقيم والإقامة تسمى أذانًا، وقد بين ذلك ابن أبي شيبة في «مصنفه»(11) من رواية ابن أبي ذئب(12) عن الزهري عن السائب: ((أن النداء كان أوله على عهد النبي صلعم وأبي بكر وعمر إذا خرج الإمام، وإذا قامت الصلاة، حتى إذا كان زمن(13) عثمان وكثُر الناس فزاد النداء الثالث على الزوراء، فثبت حتى الساعة))، فبان بهذا الحديث أن الأذان الثاني المتوهم في حديث السائب إنما يعني به الإقامة، ويشهد لصحة ذلك قوله صلعم: ((بين كل أذانين صلاة لمن شاء))، يعني بين كل أذان وإقامة صلاة، وقد روى عقيل عن ابن شهاب عن السائب: أن التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان حين كُثر الناس(14)، ذكره البخاري في باب الجلوس على المنبر عند التأذين بعد هذا(15) فتكون الإقامة الأذان الثالث على هذا القول(16).
          وقوله: (كَانَ(17) التَّأْذِينُ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ على الْمِنْبَرِ)، قال المُهَلَّب: إنما(18) جُعل التأذين في هذا الوقت _والله أعلم(19)_ ليعرف الناس بجلوس الإمام فينصتون له(20). والزوراء: حجر كبير عند باب المسجد.


[1] في (م): ((النبي صلعم)).
[2] زاد في (م): ((جاء)).
[3] قوله: ((حينئذ)) ليس في (م) و(ق).
[4] في (ق) و(م): ((فذكر)).
[5] في (ق): ((حين)).
[6] في (ص): ((يجلس)).
[7] قوله: ((إن)) ليس في (ص).
[8] زاد في (م) و(ق): ((واحد)).
[9] قوله: ((فما)) ليس في (ص).
[10] في (ق): ((نداء)).
[11] في قوله: ((في مصنفه)) ليس في (م) و(ق).
[12] في (م): ((ذؤيب)).
[13] في (م): ((حتى كان على زمن)).
[14] في (م) و(ق): ((كثر أهل المسجد)).
[15] قوله: ((بعد هذا)) ليس في (م) و(ق).
[16] زاد في (م): ((الثالث، قال المهلب)).
[17] في (م): ((وكان)).
[18] في (م): ((على المنبر، ربما)).
[19] في (م): ((الوقت ويعمل به)).
[20] زاد في (م): ((والله أعلم)).