شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب

          ░36▒ باب: الإنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإمَامُ يَخْطُبُ، وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا.
          وَقَالَ سَلْمَانُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: (يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ).
          فيه: أَبَو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلعم، قَالَ(1): (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ، وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ). [خ¦934]
          اللغو: كل شيء من الكلام ليس بحسن، عند(2) أبي عبيدة. وقال قَتادة في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان:72]، قال: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم.
          وجماعة أئمة الفتوى على وجوب الإنصات للخطبة، وفي حديث سلمان(3) حجة لمن رأى الإنصات عند ابتداء الخطبة وقد تقدم هذا(4)، وقد(5) قال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فاقرع رأسه بالعصا، ورُوي عن عمر وابن عمر وابن عباس أنهم قالوا: من قال لصاحبه اسكت فلا جمعة له، وقال ابن عباس: الذي يتكلم والإمام يخطب، فهو كمثل(6) الحمار يحمل أسفارًا، ذكره ابن أبي شيبة.
          وقوله: لا جمعة له، أي لا جمعة كاملة مثل جمعة المنصت، لأن جماعة الفقهاء مجمعون أن جمعته مجزئة عنه، ولا يصلي أربعًا(7). وقال ابن وهب: من لَغَا كانت صلاته ظهرًا ولم تكن له جمعة وحُرِمَ فضلها.
          وقال ابن جُريج: قلت لعطاء: هل تعلم شيئًا يقطع جمعة الإنسان حتى يجب عليه أن يصلي أربعًا من كلام أو تخطي رقاب الناس أو غير ذلك؟ قال: لا. وقد رخص جماعة من التابعين في الكلام والإمام يخطب إذا كان من أئمة الجور أو(8) أخذ في خطبته في غير ذلك(9)، رُوي عن النَّخَعِي والشَّعبي(10) وأبي بُرْدَة وسعيد بن جبير أنهم كانوا يتكلمون والحجاج يخطب، وقال بعضهم: إنا لم(11) نُؤمر أن ننصت لهذا، وروى ابن أبي شيبة أن إبراهيم كُلِّم في ذلك فقال: إني كنت قد صليت، ورأى(12) الليث إذا أخذ الإمام في غير ذكر الخطبة(13) والموعظة أن يتكلم ولا ينصت.
          وروى ابن وهب وابن نافع وعلي بن زياد عن مالك أن الإمام إذا لغا وشتم الناس فعلى الناس الإنصات ولا يتكلمون، ورُوي عنه(14) إذا خطب في أمر ليس من الخطبة، ولا من الصلاة من أمر كتاب يقرؤه أو نحو(15) ذلك، فليس على الناس الإنصات.
          ورأى الليث إذا أخذ الإمام في غير ذكر الله والموعظة أن يتكلم ولا ينصت(16).
          واختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب فرخص في ذلك النَّخَعِي، والشَّعبي، والحسن، وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وكره ذلك مالك والكوفي(17) / والشافعي.


[1] في (م) و(ق): ((أبو هريرة قال النبي صلعم)).
[2] في (ق): ((عن)).
[3] في (ق): ((سليمان)).
[4] زاد في (م) و(ق): ((ومن قال بخلافه في باب الاستماع إلى الخطبة قبل هذا)).
[5] قوله: ((قد)) ليس في (م) و(ص).
[6] في (م) و(ق): ((مثل)).
[7] قوله: ((وقوله: لا جمعة له، أي لا جمعة كاملة مثل جمعة المنصت؛ لأن جماعة الفقهاء مجمعون أن جمعته مجزئة عنه، ولا يصلي أربعًا)) ليس في (م) و(ق).
[8] في (ص): ((و)).
[9] في (م) و(ق): ((في غير ذكر الله)).
[10] في (م) و(ق): ((روى [في (ق): ((وروى)).] الشعبي والنخعي)).
[11] في (م) و(ق): ((لن)).
[12] في (ق): ((وراء)).
[13] في (م) و(ق): ((ذكر الله)).
[14] في (م) و(ق): ((وروى عنه أشهب أنه)).
[15] في (م) و(ق): ((ونحو)).
[16] قوله: ((ورأى الليث إذا أخذ الإمام في غير ذكر الله والموعظة أن يتكلم ولا ينصت)) ليس في (م) و(ق).
[17] في (ص): ((الكوفيين)).