شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل الغسل يوم الجمعة

          ░2▒ باب: فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ على الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ(1) على النِّسَاءِ.
          فيه: ابْن عُمَرَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ(2): إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ(3) الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ). [خ¦877]
          وفيه: ابْن عُمَرَ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النبي صلعم(4)، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فقَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَقَالَ: وَالْوُضُوء(5) أَيْضًا !، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ). [خ¦878]
          وفيه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ(6) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ). [خ¦879]
          قال المؤلف: الغسل يوم الجمعة مرغب فيه مندوب إليه، وقد اختلف العلماء في وجوبه، فذهبت(7) طائفة إلى أنه ليس بواجب، روي ذلك(8) عن عُمَر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وعائشة، وهو قول مالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور العلماء.
          وأوجب قوم الغسل فرضًا، روي ذلك عن أبي هريرة وكعب، وعن سعد وأبي قَتادة ما يدل على ذلك، وهو قول أهل الظاهر، واحتجوا بقوله(9) صلعم: (غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ).
          وقال(10) الطحاوي: وحجة أهل(11) المقالة الأولى: قول عمر لعثمان: (وَالْوُضُوء أَيْضًا!، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ)، فدل ذلك أن الغسلَ الذي كان أمر به لم يكن عندهم(12) على الوجوب، وإنما كان لما ذكرت عائشة وابن عباس أن الناس(13) كانوا عمال أنفسهم يروحون(14) بهيئتهم، فيؤذي بعضهم بعضًا بالروائح المكروهة، فقيل لهم: لو اغتسلتم.
          فدل(15) أن الأمر(16) كان من رسول الله صلعم بالغسل لم يكن للوجوب عليهم وإنما كان لعلةٍ، ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل، ولولا ذلك لما تركه عثمان، ولا سكت عمر أن يأمره(17) بالرجوع حتى يغتسل، وذلك بحضرة أصحاب النبي صلعم الذين سمعوا ذلك من النبي صلعم كما سمعه عمر، وعلموا معناه الذي أراده فلم ينكروا عليه(18) من ذلك شيئًا، ولم يأمروا بخلافه، ففي هذا إجماع منهم على نفي وجوب الغسل.
          قال الطبري: ودل ذلك أن أمره ◙ بالغسل كان على وجه الندب والإرشاد، وقد جاءت روايات(19) عن النبي صلعم تدل(20) على ذلك فروى(21) شعبة عن قَتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب أن النبي صلعم قال: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)).
          ومعنى قوله صلعم: (غُسْلُ يومِ(22) الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ)، يعني: واجب في السنة وفي الأخلاق الكريمة، كما تقول: وجب حقك وبِرُّك(23)، أي: في كرم(24) الأخلاق، وقد تأتي لفظة على(25) الوجوب لغير الفرض كما جاء في الحديث: ((الوتر واجب))، وجمهور الأمة(26) أنه غير فرض.
          وقوله صلعم: (غُسْلُ الجُمعة ِوَاجبٌ عَلى كُلِّ مُحْتَلِم)، يدل أنه لا تجب الجمعة على الصبي، وهذا إجماع، وكذلك أجمعوا أنه لا جمعة على النساء.
          وقال المُهَلَّب: قول عمر لعثمان: (وَالوُضُوْء أَيْضًا!)(27) يدل على إباحة الكلام في الخطبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه من باب الخطبة.


[1] في (م): ((و)).
[2] في (ق) و(م): ((فيه ابن عمر قال رسول الله صلعم)).
[3] في (ق): ((أحد)).
[4] في (م): ((م أصحاب عمر بن الخطاب)).
[5] في (ق) و(م): ((الوضوء)).
[6] في (ق) و(م): ((وفيه أبو سعيد الخدري)).
[7] في (ص): ((فقالت)).
[8] في (ص): ((هذا)).
[9] زاد في (ق) و(م): ((◙ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وبقوله)).
[10] في (م) و(ص): ((قال)).
[11] في (ق) و(م): ((والحجة لأهل)).
[12] في (ق) و(م): ((عندهما)).
[13] قوله: ((أن الناس)) ليس في (ص).
[14] في (ق) و(م): ((فيروحون)).
[15] في (ق) و(م): ((فذكر)).
[16] زاد في (ق) و(م): ((الذي)).
[17] في (ق) و(م): ((عن أمره إياه)).
[18] قوله: ((عليه)) ليس في (ق) و(م).
[19] زاد في (ق) و(م): ((بآثار)).
[20] في (ق): ((يدل)).
[21] في (ق) و(م): ((روى)).
[22] قوله: ((يوم)) ليس في (ق) و(م).
[23] قوله: ((وبرك)) ليس في (ق) و(م).
[24] في (ق): ((كريم)).
[25] قوله: ((على)) ليس في (ق) و(م).
[26] زاد في (ق) و(م): ((على)).
[27] زاد في (ق) و(م): ((وكلامه معه)).