شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان

          ░12▒ باب: هَلْ على مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ؟.
          وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّمَا الْغُسْلُ على مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.
          فيه: ابْن عُمَرَ قال النبي صلعم: (مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ). [خ¦894]
          وفيه: أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ(1): (قَالَ النبي صلعم: غُسْلُ يَوْمِ(2) الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ). [خ¦895]
          وفيه: أَبو هُرَيْرَةَ(3) قَالَ النبي صلعم(4): (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ)(5)، إلى قوله: (حَقٌّ على كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ). [خ¦896] [خ¦897]
          وفيه: ابْن عُمَرَ، قَالَ النَّبِيِّ صلعم: (ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إلى الْمَسَاجِدِ). [خ¦899]
          وفيه: ابْن عُمَرَ قَالَ(6): كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ(7) فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ، وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: فَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟، قَيلَ(8): يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلعم: ((لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ)). [خ¦900]
          قال المؤلف: أما الصبيان فلا يلزمهم غسل الجمعة حتى يحتلموا كما / قال(9) النبي صلعم، وقد استحب مالك أن يغتسل من حضر الجمعة من النساء والعبيد والصبيان، وهو قول الشافعي في غير المحتلمين إذا شهدوا الجمعة، ورُوي عن طاوس وأبي وائل أنهما كانا يأمران نساءهما بالغسل يوم الجمعة، وأجمع أئمة الفتوى أن الصبيان والنساء(10) لا تلزمهم الجمعة فسقط الغسل عنهم، وكذلك أجمع أئمة الفتوى أن المسافرين لا جمعة عليهم فلا غسل عليهم، وقد(11) رُوي(12) عن طلحة بن عبيد الله أنه كان يغتسل للجمعة في السفر، وعن طاوس ومجاهد مثله، وقال أبو ثور: لا يجب(13) ترك ذلك.
          وقوله ◙: (مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ)، يَرُدُّ هذا كله لأنه صلعم شرط الغسل بشهود الجمعة، فمن لزمته الجمعة اغتسل، ومن سقطت الجمعة عنه(14) سقط عنه الغسل كما قال ابن عمر، وقوله صلعم: (ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إلى الْمَسَاجِدِ) حجة في أنه لا جمعة على النساء لأنه صلعم جعل لأزواجهن(15) الإذن لهم(16) بالليل(17) إلى المساجد ولا جمعة في الليل، ولو لزمتهن الصلاة في المساجد كما يلزم(18) الرجال لما خص الليل دون النهار، ولم يخاطب أزواجهن بالإذن لهن بل خاطبهن آمرًا لهن بذلك، وإن كان إجماع أئمة الفتوى الذين هم الحجة على أن(19) النساء والصبيان لا جمعة عليهم يغني(20) عن إقامة الدليل عليه. وكذلك حديث امرأة عمر أنها كانت تشهد العشاء والصبح في جماعة يدل أن الصحابة فهمت(21) إذن النبي صلعم للنساء بالصلاة في الجماعة إنما أُريد به الليل والغلس، على ما بوب له البخاري قبل هذا، فإن(22) الجمعة لا إذن لهن فيها، والله الموفق.
          واختلفوا في وقت غسل الجمعة، وهل الغسل لأجل اليوم أو لأجل الصلاة، فقال أبو يوسف: إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ثم أحدث فتوضأ، ثم شهد الجمعة لم يكن كمن شهد الجمعة على غسل، قال أبو يوسف: إن كان الغسل لليوم فإن اغتسل بعد الفجر(23)، ثم أحدث فصلى الجمعة بوضوء فغسله تام، وإن كان الغسل للصلاة، فإنما شهد الجمعة على وضوء(24).
          وذكر ابن المنذر عن مجاهد والحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور أنه من اغتسل بعد الفجر للجمعة أنه يجزئه من غسل الجمعة، وهو قول ابن وهب صاحب مالك، وقال مالك: لا يجزئه إلا أن يكون غسلًا متصلًا بالرواح ولا يجزئ في(25) أول النهار.
          وقال(26) الطحاوي: قوله(27) صلعم: ((من جاء إلى الجمعة فليغتسل))، ورُوي ((من راح إلى الجمعة فليغتسل))، يدل أن الغسل للرواح، وقوله صلعم: ((غسل(28) الجمعة واجب على كل محتلم))، و((حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا))، يدل أن المقصود به اليوم لا الرواح، والواجب حمل الأخبار على أن المقصود به الصلاة لا اليوم لأن(29) اليوم إنما ذكره(30) لأن فيه الجمعة حتى تتفق معاني الأخبار، ولأنهم متفقون على أنه لو اغتسل يوم الجمعة بعد فوات الجمعة أنه غير مصيب لغسل يوم الجمعة، فدل أن المقصود بالغسل إلى الرواح لا إلى(31) اليوم.


[1] قوله: ((الخدري قال)) ليس في (م), قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((يوم)) ليس في (ص).
[3] زاد في (ص): ((قال)).
[4] قوله: ((وفيه: أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ النبي صلعم)) ليس في (ز) وقد أثبتت من باقي النسخ.
[5] زاد في (م) و(ص): ((الحديث)).
[6] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[7] في (ق): ((الجمعة)).
[8] في (ق): ((قال)).
[9] قوله: ((قال)) ليس في (ق).
[10] في (م) و(ق): ((أن النساء والصبيان)).
[11] قوله: ((وقد)) غير واضحة تمامًا في (ص) وكأنها: ((وممن)).
[12] في (م) و(ق): ((فلا غسل يلزمهم وروي)).
[13] في (م): ((نحب)).
[14] في (م) و(ق) و(ص): ((ومن سقطت عنه الجمعة)).
[15] في (م) و(ق): ((لأنه جعل ◙ لأزواجهن)).
[16] في (ص): ((لهن)).
[17] زاد في (م) و(ق): ((خاصة)).
[18] في (ق) و(م): ((تلزم)).
[19] قوله: ((أن)) ليس في (ق).
[20] في (م) و(ق): ((مغنٍ)).
[21] زاد في (م) و(ق): ((أن)).
[22] في (م): ((وإن)).
[23] قوله: ((بعد الفجر)) ليس في (ق).
[24] في (م) صورتها: ((وضوءه)).
[25] قوله: ((في)) ليس في (م).
[26] في (ق): ((قال)).
[27] في (م): ((وقوله)).
[28] زاد في (م): ((يوم)).
[29] في (م) و(ق): ((وأن)).
[30] في (م) و(ق): ((ذكر)).
[31] قوله: ((إلى)) ليس في (ق).