شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدهن للجمعة

          ░6▒ باب: الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ.
          فيه: سَلْمَان الْفَارِسِيِّ قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ(1) صلعم: لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الطُهْر(2)، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، ويَمَسُّ(3) مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ(4)، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأخْرَى). [خ¦883]
          وفيه: طَاوُسٌ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: (ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلعم، قَالَ: اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُؤُوسَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ(5) أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلا أَدْرِي. [خ¦884]
          قال المؤلف: الدهن للجمعة(6) كالطيب لها، وقد تقدم أن العلماء متفقون على استحبابه، وروي(7) في حديث سلمان أنه صلعم قال: ((إذا توضأ الرجل يوم الجمعة ولبس ثيابه، ثم أتى الجمعة وأنصت حتى تقضى الصلاة غفر له من الجمعة إلى الجمعة))، فذكر مكان الغسل الوضوء رواه جرير بن حازم(8) عن مغيرة عن إبراهيم عن القَرْثَعِ(9) الضَّبي عن سلمان.
          قال الطبري: وفيه البيان(10) أن الثواب الذي وصفه النبيُّ صلعم إنما هو لمن شهد(11) الجمعة بالصفة التي وصفها وأنصت لخطبة إمامه وقراءته في صلاته دون من لم ينصت.
          فإن قيل: فإذا(12) كان كما وصفت، فما أنت قائل فيمن كان بهذه الصفة وكان من الإمام بحيث لا يبلغه صوته أو كان بحيث يبلغه صوته(13) لو رفع، غير(14) أن الإمام خفض صوته، فلم يسمع خطبته ولا قراءته، هل يستحق الثواب الذي ذكره النبي صلعم أم لا؟.
          قيل: إذا كان بعض هذه العلل فالله ╡ أكرمُ من أن يحرم عبدًا له مطيعًا انتهى في أمره إلى ما أمر به ثواب عمله بسبب مانع منعه إلى ما قصده وأراده.
          وقوله صلعم: (اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَم تَكُونُوا جُنُبًا)، فإنه(15) محمول عند الفقهاء على الاستحباب والندب كما(16) تقدم في باب فضل الغسل يوم الجمعة، وقال(17) / ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل(18) العلم يقولون: يجزئ غسل واحد للجنابة والجمعة. وابن المنذر صاحب «الإشراف» هو القائل: و(19) روينا هذا عن ابن عمر ومجاهد ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي(20) والشافعي وأبي ثور، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه، وهو قول ابن كنانة وأشهب وابن وهب ومطرف وابن الماجشون وابن نافع، ورووه عن مالك، وهو قول المزني.
          وقال آخرون: لا يجزئه غسل الجمعة عن غسل الجنابة حتى ينويها، هذا قول مالك في «المدونة»، وذكره(21) ابن عبد الحكم، وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قَتادة أنه قال: من اغتسل للجنابة يوم الجمعة اغتسل للجمعة.
          وقال ابن حبيب: لم يختلف قول مالك ومن علمت من أصحابنا، فيمن(22) اغتسل للجنابة وهو ناسٍ للجمعة أن ذلك لا يجزئه عن(23) غسل الجمعة، غير محمد بن عبد الحكم، فإنه قال: غسل الجنابة يجزئ(24) عن غسل الجمعة، ولا يجزئ غسل الجمعة عن غسل الجنابة، وقال الأبهري: إنما لم يجزئ غسل الجمعة عن الجنابة لأن غسل الجنابة فرض، وغسل الجمعة مندوب إليه ليس بفرض وسيأتي معنى قوله: ((فلا يفرق بين اثنين)) في بابه(25).


[1] في (ق) و(م): ((فيه سلمان قال النبي)).
[2] في (ق) و(م): ((من طهر)), في (ص): ((من الطهور)).
[3] في (ق) و(م): ((أو يمس)).
[4] في (م): ((أهله)).
[5] قوله: ((ابن عباس)) ليس في (ق) و(م).
[6] في (ص): ((يوم الجمعة)).
[7] في (ق) و(م): ((وقد روي)).
[8] قوله: ((بن حازم)) ليس في (م).
[9] في (ق) ((القوتع))، وصورتها في (ز): ((الغرثع))، و في حاشية (م): ((قرثع الضبي ضعفه ابن حبان وفي الباب أحاديث يشد بعضها بعضًا عن أبي هريرة وسمرة وأنس وعائشة. ذكر ذلك الترمذي في جامعه)).
[10] زاد في (ق) و(م): ((عن)).
[11] في (ص): ((أن يشهد)).
[12] في (ق): ((فإن)).
[13] قوله: ((أو كان بحيث يبلغه صوته)) ليس في (ق).
[14] في (ص): ((غيره)).
[15] قوله: ((فإنه)) ليس في (ق).
[16] في (ق): ((على الندب والاستحباب على ما)).
[17] في (ق) و(م): ((قال)).
[18] في (ق) و(م): ((يحفظ عنه العلم)).
[19] قوله: ((وابن المنذر صاحب الإشراف، هو القائل: و)) ليس في (ق) و(م).
[20] قوله: ((والأوزاعي)) ليس في (ق).
[21] زاد في (ق) و(م): ((عنه)).
[22] في (ق) و(م): ((أصحابه أن من)).
[23] في (ق) و(م): ((من)).
[24] في (ق) و(م): ((يغني)).
[25] قوله: ((وسيأتي معنى قوله: فلا يفرق بين اثنين في بابه)) ليس في (ق)، وزاد في (م): ((إن شاء الله)).