شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد

          ░29▒ باب: مَنْ قَالَ فِي خُطْبَتهِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ(1).
          رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          فيه: أسماء في حديث الكسوف. [خ¦922]
          وفيه: عَمْرو بن تغلب. [خ¦923]
          وعائشة. [خ¦924]
          وأبو حميد الساعدي. [خ¦925]
          والمسور بن مخرمة. [خ¦926]
          وحديث ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: (صَعِدَ النَّبِيُّ صلعم، على(2) الْمِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ، مُتَعَطِّفًا بمِلْحَفَةٍ(3) على مَنْكِبَيْهِ، وقَدْ(4) عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ)، الحديث. وقال في هذه الأحاديث كلها بعد الثناء على الله(5): (أَمَّا بَعْدُ). [خ¦927]
          قال المؤلف: (أَمَّا بَعْدُ)(6) من فصيح الكلام، وهو فصل بين الثناء على الله تعالى، وبين ابتداء الخبر الذي يريد الخطيب إعلام الناس به، وقد قال(7) بعض أهل التأويل في قول الله ╡ عن داود ◙: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}[ص:20]، أنه: أما بَعْد.
          وقد اختلف العلماء فيما يجزئ من الخطبة، فذكر ابن حبيب عن مُطَرِّف، وابن الماجشون وأصبغ أنه تجزئه خطبة واحدة، ورواه(8) مُطَرِّف عن مالك، وهو قول الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي ثور، قال(9) ابن حبيب: ولو لم يُتم الأولى وتكلم بما خفَّ من الثناء على الله(10) وعلى نبيه صلعم لأجزأه(11). وروى(12) مُطَرِّف عن مالك في(13) «مختصر ابن عبد الحكم» إن سبح أو هلل(14) وصلى على النبي صلعم(15)، فلا إعادة عليه، وقال الشَّعبي: يجزئه ما قل وكثر، وقال أبو حنيفة: يجزئه إن خطب بتسبيحة واحدة، قال ابن حبيب: وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن لم يخطب من الثانية ما(16) لهُ بال لم يجزئهم(17) وأعادوا، ونحوه(18) قال الشافعي إلا أنه قال: أقل ما يجزئ من الخطبتين جميعًا أن يحمد الله تعالى، ويصلي على النبي صلعم ويوصي بتقوى الله(19)، ويقرأ آيات(20) من القرآن في الأولى، ويحمد الله ويصلي على النبي صلعم(21) ويدعو في الآخرة.
          وقوله(22): (عِصَابَةٍ دَسِمَةٍ) فذكر أبو(23) عمر(24) المطرز أنها السوداء وذكره(25) عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: ومنه حديث عثمان بن عفان ☺ أنه مر ببعض(26) طرقات المدينة فرأى صبيًا ومعه حشمة فقال: دسموا نونته لكي لا تصيبه العين، معناه: دسموا(27) ذلك الموضع ليرد العين، والنونة: النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، وقال ابن دريد: الدسمة: غبرة فيها سواد، الذكر: أدسم، والأنثى: دسماء، وأنشد:
إلى كل دسماء الذراعين والعقـب
          ذكر(28) البخاري هذا الحديث في كتاب اللباس وقال(29): عصابة دسماء، وقال أبو عَمْرو الشيباني: العصابة(30): العمامة. /
          قال المؤلف: وإنما سُمِّيت العمامة عصابة لأنها تعصب الرأس أي: تربطه؛ ألا ترى قول الحجاج: لأَعْصِبَنَّكم عَصْبَ السَّلَمة، أي: لأربطنكم ربط الشجرة.


[1] في (م): ((في الخطبة بعد أما بعد)).
[2] قوله: ((على)) ليس في (م) و(ق).
[3] في (ق): ((ملحفة)).
[4] في (م) و(ق): ((قد)).
[5] زاد في (ق): ((تعالى)).
[6] قوله: ((قال المؤلف أما بعد)) ليس في (ق).
[7] في (م): ((به وقال)).
[8] في (ق): ((رواه)).
[9] في (ص): ((وقال)).
[10] زاد في (ق): ((تعالى)).
[11] في (م) و(ق): ((أجزأهم)).
[12] في (م) و(ق): ((ورواه)).
[13] في (م) و(ق): ((وفي)).
[14] في (م) و(ق): ((سبح وهلل)).
[15] قوله: ((على النبي ◙)) ليس في (م) و(ق).
[16] في (ص): ((مما)).
[17] في (ق): ((تجزهم)).
[18] في (ق): ((أو نحوه)).
[19] زاد في (م): ((العظيم)).
[20] في (م): ((آية)).
[21] قوله: ((ويوصي بتقوى الله، ويقرأ آيات من القرآن في الأولى، ويحمد الله ويصلي على النبي)) ليس في (ق).
[22] في (م) و(ق): ((وأما قوله)).
[23] في (م): ((ابن)).
[24] في (ص): ((عمرو)).
[25] في (ق): ((وذكر)).
[26] في (م): ((في بعض)).
[27] في (م) و(ق): ((سودوا)).
[28] في (م): ((وذكر)).
[29] زاد في (م) و(ق): ((فيه)).
[30] زاد في (م): ((الدسماء)).