شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا هامة.

          ░53▒ بابُ لَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، قَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ لكَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ قَالَ النَّبيُّ صلعم: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟!). [خ¦5770] [خ¦5771]
          وَعَنْ أَبِي(1) سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ).
          وأنكر أبو هريرة الحديث الأول، قلنا: ألم تحدِّثنا به أنَّه لا عدوى؟ فرطن بالحبشيَّة، قال أبو سلمة: فما رأيتُه نسي حديثًا غيرَه.
          وترجم له(2) باب لا عدوى وقد تقدَّم تفسير قولِه: (لَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ) في باب قولِه لا صَفَرَ قبل هذا(3)، وزعم بعض أهل البدع أنَّ قولَه صلعم: (لَا عَدْوَى) / يعارض قولَه: ((لَا يُورِدَنَّ(4) مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) كما يعارض قولَه: ((فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَفِرَارِكَ مِنَ الأَسَدِ)) وقد تقدَّم في باب الجذام وجه الجمع بين قولِه: (فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ) وبين قولِه: (لَا عَدْوَى) وتقدَّم في باب قولِه لا صَفَرَ بعض ذلك، ونتكلَّم هاهنا على قولِه: (لَا يُوْرِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحِّ(5)) وذلك أنَّ قولَه صلعم: (لَا عَدْوَى) إعلام منه أمَّتَه ألا يكون لذلك(6) حقيقة، وقولُه صلعم: (لَا يُورِدَنَّ(7) مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) نهي منه المُمْرِض أن يورد ماشيتَه المرضى على ماشية أخيه الصَّحيحة؛ لئلَّا يتوَّهم المُصِحُّ إن مرضت ماشيته الصَّحيحة أنَّ مرضَها حدث مِن أجل ورود المرضى عليها، فيكون داخلًا بتوهُّمه ذلك في تصحيح ما قد أبطلَه النَّبيُّ صلعم مِن أمر العدوى.
          و((المُمْرِضُ)) ذو الماشية المريضة، و((المُصِحُّ)) ذو الماشية الصَّحيحة.
          وقد تأوَّل يحيى بن يحيى الأندلسي في قولِه: ((لَا يَحِلُّ المُمْرِضُ عَلَى المُصِحِّ)) تأويلًا آخر، قال: لا يحل مَن أصابَه جذام محلَّة الأصحَّاء فيؤذيهم برائحتِه وإن كان لا يعدو، والأنفس تكره ذلك. قال: وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي له أن يحلَّ موردة الأصحَّاء إلا أن لا يجد عنها غناء فيَرِد، قلت: فالقوم يكونون شركاء في القرية في مائِها وثمارِها، فيجذِم بعضُهم(8) فيتأذَّى بهم أهل القرية ويريدون منعهم مِن ذلك، فقال(9) يحيى: إن كانوا يجدون مِن ذلك الماء غناء بماء غيرِه يستقون منه مِن غير ضرر بهم، أو يقوون على حفر بئر أو جَرْي عين مِن غير ضر بهم(10) فأرى أن يؤمروا بذلك، وإن كانوا لا يجدون عن(11) ذلك غناء إلا بما يضرُّهم، قيل لمَن تأذَّى بهم: استنبط لهم بئرًا أو أَجْرِ لهم عينًا أو اؤمر مَن يستقي لهم مِن البعد وإلا فكلُّ ذي حقٍّ أولى بحقِّه، وأعظم الضَّرر أن يُمنَع أحدٌ مالَه(12) بغير عوض، وقد تقدم زيادة في هذا المعنى(13) في باب الجذام فاطلبه هناك.
          و((الرَّطَانَةُ)) التكلُّم بالعجميَّة وقد تراطنا.


[1] قوله: ((أبي)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((تفسير قوله: (لا هامة...قبل هذا)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((لا يورد)).
[5] قوله: ((كما يعارض)) قوله: ((فر.... ممرض على مصح)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((كذلك)).
[7] في (ص): ((لا يورد)).
[8] في (ص): ((أحدهم)).
[9] في (ص): ((قال)).
[10] قوله: ((من غير ضر بهم)) ليس في (ص).
[11] في المطبوع: ((من)).
[12] في (ص): ((ملكه)).
[13] قوله: ((زيادة في هذا المعنى)) ليس في (ص).